الحدث بريس : الصادق عمري علوي
لاشك أننا نريد من المثقف المغربي أن يساهم في تنمية الفكر و الوعي ، وترسيخ الحوار ، ولاشك كذلك أن المثقف المغربي يعلم أنه يضطلع بمسؤولية التثقيف و التوجيه والتأطير .. فهل يتحقق الانسجام بين ما نريد ، والعلم بما يريد ؟.
ونحن في تلك الارادة نؤمن عن قناعة أن الشعوب لاتصنع ثقافة ولاعلما في ظل انزواء رجال الفكر والثقافة خاصة عدم اهتمامم بالمشهدين الاجتماعي والسياسي اللذين يشهدان في الآونة الاخيرة ، تمظهرات وتقلبات ، و معطيات ومستجدات تستحث المسؤولين ببلادنا إلى دعوة المثقفين المغاربة للقيام بدورهم التاريخي والاجتماعي في التنمية و إشراكهم في التوجيه ، والتكوين ، والتنوير و التأطير .
إن المثقف ( العضوي ) اليوم يجسد صمام أمان ، ومنارة تضيء دوما ، بحضوره الفعلي سواء عبر كتاباته كباحث في مختلف مناحي الحياة ، أو متدخل في الشأن السياسي والاجتماعي أومشاكس ، مقلق لأوساط معينة تعتبره ( ظاهرة صوتية ) ، أومنتقد للتوجهات المناوئة للتنمية ، عصي في ذلك على التبعية و الاستدراج أو الاستلاب ، ما يجعله منارة تضيء للسارين طريقهم ، وتكشف مواطن الخلل، ومكامن الانتصار والاخفاق .
المثقف مرآة نرى من خلالها أنفسنا ، نرى من خلالها تقدمنا ، وتراجعنا وانشغالاتنا ،وهمومنا المشتركة، وخطواتنا ونحن نبني وطنا نحلم أن يتسع لاحتضان الجميع دون تمييز ..
يتصدى المثقف بحرية فكرية ،بموازاة مع احترام لخصوصية الآخر ليفسر ويحلل وينتقد الواقع السياسي والاجتماعي و يقدم ومعطياته ، وملابساته ، وتناقضاته وما يمكن أن تؤدي إليه سياسة اجتماعية ما ، أوتصرف سلطوي ما على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد من مشاكل ، وهو إذ يقوم بذلك العمل من منطلق الباحث المتخصص ، أو من إنتماء فكري عقلاني ، يحيل على توجه إنساني ، يعتقد بجدواه نحو أفق الاصلاح .. أو تصحيح مقاربة اجتماعية تسير نحو تعميق ثقافة ، الاستعلاء والإقصاء ، والتمييز أو الدفع لشرعنة ثقافة التفاهة و الاستهلاك ، لخلق مسارات معتمة ، تحقيقا لأهداف تخدم مصالح القلة على حساب الأكثرية .
لايمكننا ادعاء حيادية أواستقلالية المثقف ، مادام يعالج واقعا بشريا ملموسا يفرض عليه مقاربته ، ومعالجة معطياته ، والقول بإلزامية التغاضي عن منطلقاته وصناعه ، والفاعلين الأساسيين في تشكله ، وبروزه كحقيقة حتمية القت بظلالها ، كمعطى يجب تجاوزه او معالجته .
إن المادة الأصلية الطبيعية في الواقع بالنسبة للمثقف تشبه تماما الألوان الأساسية ، ولكنها تخضع جميعها للمزج بنسب معينة ، لتسفر عن واقع منسجم ، متناسق أو غامض .
بمقابل واقع متناقض يبدو له مقرفا ، مبعثرا ، غير خاضع لمنطق نمو و بروز الأشياء والأحياء والأفكار في الممارسة الاجتماعية والسياسية في تجلياتها وتمظهراتها السوية السليمة ، كوجود مدينة كل منازلها ، على مستوى الديكور الخارجي مصبوغة باللون الاحمر، أو الاصفر لا تحيل على شيء ، انه لشيء مقرف حقا … ان ترى هذا التشابه الوحيد دون التنوع المفعم بالحياة …
المثقف من خلال قناعاته يتمنى أويطمح أن يكون الواقع السياسي والاجتماعي مفعم بالتنوع في اطار موحد منسجم متناغم كل المؤسسات تؤدي وظائفها في بنية متكاملة .. لكنه يصطدم بالفاعل السياسي يبعثر نظرته للأمور ، ويكسر أفق توقعه ، ويخيب آماله مما يدفعه إما الى التصدي له بكل جرأة ، واستماتة ، أو يختار الانسحاب ، أو الغياب عن المشهد مستنتجا أن الواقع الإجتماعي الذي ساهم السياسي في صنعه لاجدوى من وراء إصلاحه أو تغييره .