الحدث بريس / الرباط.
( نص بيان حزب الكتاب )
تقدير عالٍ للمكتسبات المحققة على مختلف الأصعدة، وتطلعٌ قوي نحو مزيد من المنجزات لفائدة وطننا وشعبنا.
تَــحُلُّ يوم 30 يوليوز 2019 الذكرى العشرين لاعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرشَ المملكة المغربية، وهي مناسبةٌ ليتقدم فيها حزب التقدم والاشتراكية إلى صاحب الجلالة بأحر التهاني وأصدقها، وبدوام الصحة والسداد والتوفيق، متمنيا كاملَ الازدهار وتمامَ التقدم لوطننا ولشعبنا بقيادة جلالته.
لقد تميز المسارُ العام لبلادنا، خلال العِقدين الأخيرين، في ظل حُكْمِ جلالة الملك محمد السادس، بديناميةٍ مُلْــفِــتــة وأَفْــضَى إلى مكتسباتٍ هامة غَيَّرَتْ إيجابًا وجه المغرب على مختلف الأصعدة، وهو ما أَكْسَبَ وَطَنَنَا طابعَ التـفـرد، وعزز استقراره في وسطٍ إقليمي ودولي مضطرب، وجَعَلَهُ يقطع أشواطًا مُــمَيَّــزَة على طريق الإصلاح المُسْتَــنِــدِ إلى الدور الريادي والإرادة التحديثية للمؤسسة الملكية، في تظافرٍ للجهودِ مع القوى الحية الوطنية الديمقراطية ببلادنا.
فعلى مستوى قضية وحدتنا الترابية، فإنَّ مقترحَ الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية الذي ينم عن شجاعةٍ وحكمةٍ سياسيتين، والذي اعترف المنتظمُ الدولي بمصداقيته، قد وَطَّــدَ موقــفَ بلادنا في مواجهة مناوراتِ خصوم وحدتنا الترابية، ومَــكَّــنَهَا من استرجاعَ زمام المبادرة بشأن إيجاد تسوية نهائية لهذه القضية المفتعلة.
وفي سياق ذلك، تعززتِ المكانةُ الدولية للمملكة، لا سيما في اتجاه التعاون الإفريقي، حيث أشرف صاحبُ الجلالة شخصيا وبإقدامٍ على مسار تبويئ بلادنا المركز المحوري والرائد قاريا، بِأَبْعَادَ أخوية وروحية وثقافية وسياسية واقتصادية متكاملة ومتميزة.
وفي المجال السياسي والحقوقي والمؤسساتي، راكمت بلادُنا خلال العشريتين الأخيرتين مكتسباتٍ ديمقراطيةً بَــيِّــنَــة، أبرزُهَا مسلسلُ الإنصافِ والمصالحة بنتائجه المُــفْــضِيَة إلى طَــيِّ صفحة الماضي المؤلم، وكذا التقدمُ الملموس على درب المساواة بين المرأة والرجل بما في ذلك اعتماد مدونة متقدمة للأسرة، والقوانينُ المُكَــرِّسَــةُ لحقوق الإنسان والداعمةُ للحريات الفردية والجماعية، وتحريرُ وتنظيمُ الفضاء الإعلامي، والرقي بدور الأحزاب السياسية، وانتظامُ دورية الانتخابات، وتأكيدُ خيار اللامركزية وتعزيز الجهوية، فضلا عن الاعتراف بالأمازيغية والارتقاء بمكانتها باعتبارها لغةً رسمية ومُكَوِّنًا أساسيا من مكونات الهوية الحضارية الوطنية،،، لَـــيُتَوَّجَ كُلُّ ذلك بإقرار دستور سنة 2011 الذي اعتمد الاختيارَ الديموقراطي ضمن الثوابت الوطنية، وكَرَّسَ دولة القانون في إطار السعي إلى تشييد ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية، وعزز البناء الدستوري الديموقراطي القائم على أساس فصل السلط، وعلى الديموقراطية التشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وفي المجال الديني والقيمي، تميز العِقدان الأخيران بإصلاحات عميقة قادها صاحبُ الجلالة الملكُ محمد السادس، توجهت أساسا نحو تأطير الحقل الديني بمزيدٍ من الانفتاح والاعتدال، وتعزيز المنجزات الثقافية واستثمارها في المُحاصرة العقلانية لمنابع التطرف والإرهاب،،، كما شملت المكاسبُ القيميةُ تعميقَ الانفتاحِ حضاريا وثقافيا على الفضاء الكوني بمفهومه التحديثي، خصوصا من خلال الانخراط في عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
وفي الميدان الاقتصادي، تميزت هذه الحقبة التاريخية بالمجهودات الجادة التي أخرجت وطننا من وضعيةٍ شائكة، خصوصا عبر تبني مِحْوَرِيَّــةِ دَوْرِ الدولة والاستثمار العمومي في تشييد بنياتٍ تحتيةٍ مهمة، وفي اعتماد استراتيجياتٍ قطاعيةً هَــمَّــتْ مجالاتٍ اقتصاديةً متنوعة، مَكــَّــنَــتْ من تطويرِ قدرات الاقتصاد الوطني وتقوية نسيجه، ومن ضبطِ التوازنات المالية، والرفعِ من معدلات النمو السنوية، مع ما واكبَ كلَّ ذلك من تقدمٍ تكنولوجي لا سيما في مِضْمَارِ الرقمنة والاتصالات، فضلا عن الاعتماد على الطاقات المتجددة.
أما على الصعيد الاجتماعي، فإن العشرين سنة الأخيرة قد تميزت بِــتَــحَــسُّــــنٍ نسبي في مستوى عيش المغربيات والمغاربة، وبالتقدم في ورش التغطية الاجتماعية الشاملة، وتطوير المردود العام للخدمات الاجتماعية، في الصحة والتعليم والسكن والربط بشبكتي الماء والكهرباء.
وبهدف مُحاربةِ الفوارقِ المجالية والاجتماعية ومظاهر الفقر والإقصاء وصون كرامةً الإنسان، تم اعتماد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إلى جانب عددٍ من الإجراءاتِ الاجتماعية التي أسهمت في دعم قدرات الفئات المستضعفة والوسطى.
كل ذلك، دون إغفال الخطوات الهامة التي قامت بها بلادنا في تطوير وتحديث القدرات الأمنية للمملكة.
ولأَنَّ هذا المسارَ الديموقراطيَ والتنموي غيرُ مُــتَــنـَــاهٍ بطبيعته، وانطلاقا من حرص حزب التقدم والاشتراكية على الدفع به وتطويره، فإن المرحلة الراهنة والمستقبلية تستدعي تَــرْصِيدَ الإيجابياتِ المُحققَــةِ لأجل استكمال مسيرة البناء والإصلاح ومُعالجةِ جوانب النقص التي تعتريها، والتي وَرَدَتْ بوضوحٍ وجرأةٍ ورؤيةٍ استشرافية في عددٍ من الخُطَبِ الملكية.
وعلى هذا الأساس، يسعى حزبُ التقدم والاشتراكية، كما هو مُتَضَمَّنٌ في مشروعه المتعلق بالنموذج التنموي الجديد، نحو الارتقاء بشتى واجهات المسار الإصلاحي لبلادنا.
ففي المجال السياسي، ودعمًا لإرادة استكمال بناء دولة المؤسسات والقانون، يقتضي الأمرُ إعطاء دفعة جديدة للمسلسل الديموقراطي، من أجل اضطلاع كُلِّ مؤسسةٍ بِسُلُطاتِها الدستورية الكاملة، ومباشرة جيل جديد من الإصلاحات بعزمٍ وإقدام، في تناغم خلاق بين قيادة المؤسسة الملكية وانخراط القوى الحية لوطننا، بهدف تعزيز منظومة الحقوق والحريات وتوسيع الفضاء الديمقراطي.
كما تستدعي المرحلةُ تقويةَ الثقة في المؤسسات، والمُــضِــيِّ قُــدُمًا في تفعيل للدستور، وإعطاءَ دفعة جديدة للمساواة بين النساء والرجال، ومراجعة مدونة الأسرة، وتحسين الحكامة في كافة مناحي الحياة العامة، وإعادة الاعتبارِ للحقل والفعل السياسيَــيْــن، والاعتماد على أحزابٍ سياسيةٍ مُؤَهَّــلةٍ وذاتِ مصداقية، وتمتين صلاحيات المؤسسات المنتخبة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تقتضي المرحلةُ تفعيلَ مقارباتٍ بديلةٍ تكفلُ تجاوزَ محدودية الوضع الاقتصادي الحالي، وتستطيع إنضاجَ الرأسمال الوطني وتحفيزَهُ وتوجيهَهُ نحو المجال الصناعي خاصة والقطاعات المنتجة للثروة عموما، والسعي نحو تكامل السياسات القطاعية بما يجعلها تُسهم أكثر في تطوير القدرات الإنتاجية للنسيج الاقتصادي الوطني، وفي الرفع من نسب النمو لبلادنا، وفي خلق فرص الشغل ومحاربة البطالة بشكل ناجع، بما يضمن الاستفادةً الواسعةً لمختلف فئات شعبنا من الإنتاج الوطني، في إطار استحضار الأبعاد الإيكولوجية والتحديات البيئية، فضلا عن إصلاح المنظومة الجبائية في اتجاه نجاعتها وعدالتها.
كما تتطلب المرحلة ضمان مَنَاخ مناسب للعمل والأعمال، وتأمين مستلزماتِ دولة القانون في المجال الاقتصادي، خاصة من خلال تثمين ومواصلة أوراش إصلاح الإدارة والقضاء، ومحاربة مختلف مظاهر الفساد والرشوة، وإقرار شروط الشفافية والتنافس الشريف، والقضاء على مظاهر الاحتكار غير المشروع واقتصاد الريع، وضمان شروطٍ أنسب للاستثمار الوطني والأجنبي، فضلا على ضرورة إصلاح حكامة التنظيم والتدبير الترابيين.
أما في المجال الاجتماعي، ودعما للقناعات الاجتماعية الراسخة التي يحملها صاحبُ الجلالة، فإن الأَمْرَ يستلزم التوفيق بين إنتاج الثروات وحُسْنِ توزيعها بعدالةٍ اجتماعيةٍ ومجاليةٍ أكثرَ وَقْـــعًا على الفئات الفقيرة والمتوسطة، وكذا إعادة النظر في منطق الاستهداف الاجتماعي ليتوجه الدعمُ فعلا نحو الطبقات المُستحِقَّة له، والارتقاء بجودة التعليم والصحة، بدورٍ مركزي للمدرسة وللمستشفى العموميَيْنِ، بالإضافة إلى ضرورة القضاء النهائي على الجهل والأمية ومظاهر الفقر والإقصاء.
في المجال القيمي، وتأسيسا على الخطوات المقدامة لصاحب الجلالة في هذا المضمار، من المهم التقدمُ في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وتعميمُ الولوج الشعبي إلى الثقافة، وتوفيرُ الشروط الملائمة للنهوض بأدوار المثقفين في إنتاج الأفكار والقيم، واختراقٌ أكبر لعالم الحداثة والعلم والمعرفة والتكنولوجيات الحديثة.
إنَّ حزبَ التقدم والاشتراكية، إذ يعتز بما تحقق لوطننا ولشعبنا خلال العشرين سنة من حُكم جلالة الملك، لَعَلَى يقين مِنْ أنَّ الغَــدَ يمكن أن يكون أكثر إشراقا، ومِنْ أنَّ تجذرَ العمقِ الحضاري والتاريخي لبلادنا وشعبنا، والإرادةَ الإصلاحيةَ والتحديثية لجلالة الملك التي تلتقي، بشكل خلاق، مع إرادة الإصلاح لدى القوى المجتمعية الجادة والفاعلة، لَيُــؤَهِّــلَانِ المغرب بامتياز لتحقيق مزيدٍ من الإنجازات، ولضخ نَفَسٍ ديموقراطي جديد يعزز مكانة وطننا ويستجيب لانتظارات شعبنا.