نشر موقع الكتروني تونسي مقالا يحلل فيه الوضعية الاقتصادية التي أصبحت تعيشها تونس. جاء في المقال أن تونس الخضراء تفتقد أسواقها الكثير من المنتوجات الأساسية كالحليب والزيت والشاي والسكر والخضروات وغيرها من المواد الأساسية لعيش التونسيين. وفي المجال الصحي انقرضت الكثير من الأدوية من الصيدليات التونسية بما فيها الأدوية التي تحتاجها الأمراض المزمنة والتي يعد افتقارها حكما بالإعدام على المريض.
وما زاد الطين بلة هو طريقة تعامل السلطات التونسية مع مقال عادي يوضح ما هو قائم ويبرز حجم معانات المواطن التونسي في معيشه اليومي وفي صحته. فإلى جانب هذه المعانات، تعمد هذه السلطات على التضييق على الحريات وهو ما يعمق الأزمة التونسية لتشمل الجانب الحقوقي إلى جانب الوضع الاقتصادي.
لم يكن المتتبعون للشأن التونسي يتوقعون المزيد من تأزم الأوضاع الاقتصادية بعد أن اختار الرئيس قيس سعيد الاستجابة للضغوطات الجزائرية باستقبال زعيم البوليساريو، مقابل قرض مالي ودعم الاقتصاد التونسي ببعض المواد الأساسية. لكن هذا الدعم الجزائري لم يستمر لأن الجزائر هي نفسها تعاني من نقص الكثير من المواد الاستهلاكية، كما أن القرض الجزائري تم استهلاكه لأنه لم يكن كافيا وبعيدا كل البعد عن المساهمة في حل الأزمة التونسية ولو بقدر يسير. هذه الوضعية جعلت الرئيس التونسي في المكانة التي تصفها المعتزلة “منزلة بين المنزلتين”، فلا هو وجد الحل للاقتصاد المتأزم في بلاده بعد سقوطه في أحضان جنيرالات الجزائر، ولا هو حافظ على الموقف التاريخي المتوازن لبلاده منذ الرئيس بورقيبة، وهو الموقف الذي جعل تونس لها علاقات جيدة مع كل دول المغرب العربي بدوت استثناء. لكن الانحراف السياسي الذي قام به الرئيس قيس سعيد، جعله يدور في فلك النظام العسكري في الجزائر ولم يجد حلا للخصاص في أسواق بلاده من المواد الأساسية، وأبعده عن المملكة المغربية التي يعرف معبر الكركرات حركية كبيرة لعبور المواد الأساسية نحو بلدان جنوب الصحراء وهي نفس المواد التي يحتاجها الاقتصاد التونسي.
لو كان الرئيس قيس سعيد يتصرف بلغة مصلحة بلاده وليس بلغة الإملاءات الجزائرية، لعرف كيف يتشبث بروح اتحاد المغرب العربي المتجسدة في التعاون المشترك والعلاقات الجيدة مع كل مكوناته. لقد كان على الرئيس التونسي استحضار مصلحة بلاده المرتبطة عضويا ببلدان الجوار المشكلة لاتحاد المغرب العربي وذلك بتعزيز التعاون ونبذ التدخل في الوحدة الترابية للمملكة المغربية، فمصلحة تونس تكمن في تدعيم التعاون المغاربي في أفق تفعيل الاتحاد، وليس في الاصطفاف وراء جنيرالات العسكر في الجزائر. هنا لا يسعني إلا أن أُذكِّر بموقف الرئيس التونسي الراحل بورقيبة الذي كان ينبه مبكرا إلى عواقب ذلك التدخل في الوحدة الترابية لبلدان المغرب العربي. فقد قال في حديث إلى مجموعة من الصحافيين الفرنسيين في نوفمبر 1975 أي مع ظهور مشكلة الصحراء على السطح “أعتقد أن الصحراء الإسبانية لا تعني شيئا. ولا أفهم لماذا تصر الجزائر على إيجاد صعوبات بالمطالبة بتقرير المصير لمجموعة من البدو الرحل، وبالنسبة لي فهذه الصحراء جزء من المغرب”. كان هذا تصريح رئيس شهدت معه تونس طفرة تنموية في جميع المجالات لا علاقة لها بما تشهده تونس حاليا من أزمات في عهد الرئيس قيس سعيد. فهل يستفيد هذا الأخير من الرئيس الراحل بورقيبة ويفهم أن تنمية وتقدم تونس مرتبط بعدم مجارات الجزائر في اغتيال وحدة المغرب العربي بتدخلها في الوحدة الترابية للمملكة المغربية.
لقد استجاب الرئيس قيس سعيد للإملاءات الجزائرية واستقبل، في موقف غريب وشاد عن تاريخ تونس، الزعيم الانفصالي المدعوم جزائريا، وهي القضية التي أوقفت عجلت اتحاد المغرب العربي الذي لولا هذا التدخل الفج للجزائر في الوحدة الترابية للمملكة المغربية لكان الاتحاد قائما ولما عرفت تونس هذه الأزمة، ولتم توجيه ما يكفي من الشاحنات المحملة بما تحتاجه تونس من معبر الكركرات نحو الأسواق التونسية.
تعثر الاتحاد المغاربي، لكن مصلحة تونس تكمن في الحفاظ على روح هذا الاتحاد بمد جسور التعاون مع جميع بلدانه والابتعاد عن التدخل في الوحدة الترابية لكل بلدان المغرب العربي، لأن ما يقوم به نظام عسكري عاق قوَّض جهود الاتحاد وجعل تونس تواجه أزمتها لوحدها وكأنها بلد لا جار له ولا معين، بل أكثر من ذلك، جعلها الرئيس قيس سعيد عرضة للابتزاز وللتوظيف في مشكل بعيد عنها.