في قلب المملكة المغربية، تقع جهة درعة-تافيلالت كفسيفساء غنية بالألوان الثقافية والتضاريس الجغرافية المتنوعة، تلفت الأنظار بأصالتها وتفردها. إلا أن هذه الجهة التي ولدت إلى الوجود سنة 2015، بعد سلسلة من التعديلات التنظيمية والإدارية التي شهدها المغرب، تقف اليوم على مفترق طرق بين التنمية والتحديات.
يمتد نفوذ جهة درعة-تافيلالت عبر خمسة أقاليم هي الرشيدية، تنغير، ورزازات، زاكورة، وميدلت. وتحتضن في جنباتها جزء من سفوح جبال الأطلس الكبير وكذا فوهات الصحراء الكبرى، مقدمةً لوحة تراثية وجغرافية ساحرة، تضمن لها مكانة مميزة على خريطة السياحة الوطنية والدولية.
ورغم ما تزخر به من مقومات تاريخية وثقافية، تواجه درعة-تافيلالت جملة من التحديات التي تنغص عليها مسار التنمية، مثل شح في البنية التحتية وصعوبات في الولوج للخدمات الأساسية كالتعليم والصحة. وتتفاقم معضلات الفقر والبطالة، جراء الإكراهات البيئية والإقتصادية، مُضيفة إلى ذلك تأثيرات التغيرات المناخية التي تُنذر بجفاف الأراضي وشح الموارد المائية.
كما ترزح بعض المناطق تحت وطأة الهجرة القروية وما يرافقها من تسرب للعقول والأيدي العاملة نحو المدن. وفيما يخص إدارة الموارد الطبيعية، تواجه الجهة كغيرها من الجهات، تحديات عديدة مرتبطة بالاستغلال غير المستدام لتلك الموارد.
يُستشرف لجهة درعة-تافيلالت مستقبل متفائل، شريطة تعزيز جهود التنمية المحلية والدعم الحكومي. تدعو الحاجة إلى مضاعفة الاستثمارات في تطوير البنية التحتية والاعتناء بقطاعات التعليم والصحة. ولتعزيز فرص العمل، يُمكن الاستعانة بخطط تشجيع الاستثمار ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، خصوصًا تلك المعتمدة على الصناعة التقليدية والسياحية.
إن التأكيد على خصائص الجهة السياحية يُعتبر مدخلاً حيوياً لتحسين الوضع الاقتصادي، مع التركيز على التسويق الجيد والاستدامة. يتطلب ذلك خلق استراتيجية متكاملة لتنمية القدرات المحلية، التوظيف الأمثل للموارد وحماية البيئة، والذي سيُعزز بدوره الأمن الغذائي
لا يمكن الحديث عن تنمية متوازنة دون الإشارة إلى دور المنتخبين المحليين الذي يمثل حجر الزاوية في تحفيز التقدم في جهة درعة-تافيلالت. ويلاحظ أن الجهة، رغم كونها قلعة انتخابية قوية، إلا أن الأثر الفعلي للمسؤولين على مستوى القرار والتنفيذ يُعد محدودًا، مما يشير إلى نقص في الفعالية السياسية والمشاركة الاقتصادية الاستراتيجية. هذا الغياب الملحوظ للمنتخبين في تلبية المطالب التنموية يزيد من الفجوة بين الوعود الانتخابية والإنجازات العملية المتحققة.
علاوة على ذلك، تبرز مسألة العدالة المجالية كعنق زجاجة يعيق سريان عصارة البرامج الحكومية إلى شرايين جهة درعة-تافيلالت. رغم المخصصات الحكومية والخطط التنموية، يُلاحظ أن هناك تفاوت ملحوظ في توزيع المشاريع الكبرى، كإنشاء البنية التحتية الأساسية مثل المطارات والطرق السريعة، بما لا ينسجم مع الإمكانيات والمؤهلات التي تزخر بها الجهة.
من المثير للدهشة أن جهة بحجم درعة-تافيلالت، التي تُعد من أكبر الجهات مساحةً، لا تضم في جعبتها مطارًا دوليًا واحدًا يليق بمقوماتها، وهو ما يعقد مهمة استقطاب السياح الدوليين والاستثمارات الخارجية. تفاعل هذا النقص البنيوي مع العجز في التمثيل السياسي يضع الجهة في موقف لا تحسد عليه في ركب التنمية.
إن معركة درعة-تافيلالت لتحقيق تنمية متكاملة وعادلة، تتطلب تضافر جهود كافة الفرقاء، من مؤسسات حكومية ومنتخبين ومواطنين، لضمان أن تأخذ الجهة مكانتها المستحقة على خارطة المغرب التنموية. يأمل أبناء الجهة أن يمتلكوا مستقبلًا يليق بإرثهم الغني وطموحاتهم العريضة، مستقبلاً يجسّد حلم العدالة والإنصاف على أرض الواقع.
يقف اليوم فيلق من المسؤولين والمواطنين على أهبة الاستعداد لبناء مستقبل أرحب لجهة درعة-تافيلالت. بينما تبقى العزيمة والارادة هما المحرك الأساسي لتجاوز التحديات الراهنة واحتضان فجر جديد ينبض بالتنمية والازدهار. تتطلب الرؤية طويلة الأمد والتخطيط الاستراتيجي، ليس فقط لإطلاق إمكانات الجهة الكامنة، بل وللنهوض بدورها كلاعب رئيسي في المشهد الاقتصادي والاجتماعي فوق أرض المملكة.