الحدث بريس:يحي خرباش.
في قصة مؤثرة خرج عمر بن الخطاب الملقب بالفاروق ذات ليلة رفقة عبد الرحمن بن عوف يتفقد الرعية وإذا به يسمع بكاءا، فاقترب عمر فاذا هي امرأة قد اشتد حالها من الجوع الذي أصاب أطفالها ،وجتا على ركبتيه وعلى خذه خطان أسودين من شدة البكاء ،فقال لها ما بك يا امرأة قالت إذا كان لا يعرف شيئا عن حالنا لما يولي أمرنا ،فانطلق الأمير وذهب إلى بيت المال وجمع دقيقا وسمنا وعسلا ووضعه في كيس وقال لخادمه احمل علي رغم إصرار عبد الرحمن بن عوف مساعدة عمر ، فأجابه عمر قائلا او تحمل عني اوزاري أيام القيامة ،احمل علي وانطلق الأمير حتى وصل إلى المرأة فصنع الطعام بيديه وقدمه لأبنائها وهو ينظر إليهم رافضا مغادرة المكان حتى أراهم يضحكون كما رأيتهم وهم يبكون ولم يهدا له بال حتى اشترى الامير مظلمة المرأة من ماله الخاص.
مشهد أعاد إلى الاذهان بكاء العثماني رئيس الحكومة لحزب العدالة والتنمية يغالب دموعه في إحدى جلسات البرلمان الأخيرة وهو يتحدث عن ضحايا الجائحة الذي يتزايد في المغرب ويحمد الله على عدد الاصابات المتزايدة , لو صدر هذا الكلام عن شخص اخر لكان ممكن تجاوزه ،لكن أن يصدر عن الشخصية الثانية في المملكة فهذه مسخرة وقمة الاستهتار بحجم المسؤولية الدستورية لرئيس الحكومة المغربية .
المغرب يمر اليوم بأزمة من نوع آخر على بسبب الوباء الذي هز دول العالم ،والمطلوب ليس البكاء أو الحسرة من رئيس الحكومة أو استعراض مشاعر الحزن التي لا تغني ولا تسمن من جوع، المغاربة في أمس الحاجة لمن يقدم لهم يد المساعدة في هذا الظرف، فمنذ بداية الازمة بادر الملك إلى انشاء صندوق محاربة اثار الجائحة وتوالت المساهمات من كل صوب وحدب كعربون محبة لوطنهم ووطنيتهم وفي المقابل ظهر حزب العدالة والتنمية وهو الذي يرأس الحكومة بموقف خجول لا يرق إلى مستوى الأحزاب الوطنية ،حزب ظل مكتوف الايدي وعاجزا عن تقديم أي مبادرة بجميع هيئاته الحزبية ما عدا تقديم التعازي والبكاء ، اليوم يزداد الخوف من هذا الفيروس الذي نخر اقتصاد دول كبرى بقدر ما تزداد حسرة المغاربة على من يرأس الحكومة ويدبر شؤون أكثر من 30 مليون مغربي في انتظار المستقبل المجهول ،لا نعلم كم ستدوم فترة حالة الطوارئ الصحية لكن الخسائر الاقتصادية ستكون مكلفة جدا وسيكون لها أثر سلبي على النسيج الاقتصادي المغربي .فماذا في جعبة العثماني وإخوانه للخروج من الازمة والعودة إلى الحياة الطبيعية يا ترى؟
لعل ارتباك رئيس الحكومة في جل تصريحاته منذ ظهور الازمة إلى اليوم لدليل واضح على تخبط الحزب في إدارة شؤون البلاد التي يفتقد إلى برامج اقتصادية والتوفر على حزمة من الاجراءات لمواجهة هذه الجائحة التي عرت أكثر من 10 سنوات تربع فيها الحزب على رئاسة الحكومة وسيطر على أغلب المجالس الجماعية بالمغرب، وها هو المغرب يواجه هذه الازمة بالبكاء وتقديم التعازي، فالمغاربة يا رئيس الحكومة محتاجون لمن يقف إلى جانبهم في السراء والضراء ،الناس محتاجون لمن يمد لهم يد العون ويساعدهم على ضمان القوت اليومي ،الناس محتاجون لتعليم جيد ولخدمات صحية جيدة ،المغاربة في أمس الحاجة لمن يخفف عنهم ثقل الديون التي نخرت جيوبهم ،وفككت أسرهم ودمرت أبناءهم ،الناس محتاجون لشغل يضمن كرامتهم ،أين حزبكم الحاكم من كل هذا ،ماذا عن الأسر التي فقدت من يعيلهم بسب هذا الفيروس ،ألستم السبب في ما وصل إليه المغرب من تراجعات خطيرة على جميع المستويات وبشهادة وزراء حزبكم ، ألستم من أجهزتم على القطاعات الاجتماعية وسخرتم كل الجهود للقضاء على الطبقة الوسطى ،أليس في عهدكم تم الاجهاز على الحريات العامة وسخرتم القضاء لإزاحة خصومكم وتصفية حساباتكم ،ألستم من جعلتم كل المغاربة مدينون لمؤسسات الصندوق الدولي ، المغاربة لم ينسوا المقولة الشهيرة لرئيس الحكومة السابق ،الصحة والتعليم يؤدون خدمة مراكز النداء ،ألستم من أذللتم خيرة الأطر المغربية من المعلم والأستاذ والطبيب والمهندس وأنتم من رفضتم في تحد للقانون توظيف المعطلين الموقعين على محضر توظيفهم في عهد حكومة عباس الفاسي والدفع بهم إلى الاحتجاج والاعتصام بشوارع مدن المملكة، ويشهد لكم أنكم أبطال الزيادة في الأسعار وفي الضرائب كلما حلت بكم ضائقة مالية ،وأنتم من أغلقتم باب الحوار في وجه الفرقاء الاجتماعيين ،أوليس فيكم رجل عاقل يقول اللهم إن هذا منكر، اتقوا الله في أنفسكم.
فمهما طال الزمن فستظل أيدي الحزب الحاكم ملطخة بما اقترفت في حق الموظف البسيط والقاضي الشجاع والمعلم المكافح والطبيب المقتدر والممرض المخاطر والمسكين المتشبث بجرعة الامل في الحياة ،ستمر جائحة كورونا بسلام بفضل روح التضامن الذي عبر عنه المغاربة قاطبة وليس ببكاء العثماني أو غيره ،وسيشهد التاريخ أن هناك من أساء لشعبه ووطنه وأن بكاء العثماني وبنكيران هو فقط من أجل المال ولا غير إلا المال .