تشهد أوساط التواصل الاجتماعي مؤخرا موجة من الصور المعدلة باستخدام أسلوب فني يشبه أسلوب استوديو غيبلي، والتي انتشرت بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي.
هذه الظاهرة اجتاحت الجميع، من مستخدمي منصات مثل فايسبوك و إنستغرام وإكس ، إلى محبي كرة القدم والسياسة، حيث عمد الكثيرون إلى استخدام هذه الصور للتعبير عن آرائهم أو حتى للسخرية من بعض المواضيع الاجتماعية والسياسية، ما أثار تساؤلات عدة حول دوافع هذه الظاهرة.
العديد من هؤلاء المستخدمين استخدموا أدوات الذكاء الاصطناعي المتوفرة بسهولة على الإنترنت لإنشاء صور مشابهة لرسوم الأنمي بأسلوب غيبلي، وهو ما يبرز بشكل خاص في المغرب حيث أظهر الناس تفاعلًا قويًا مع هذا الاتجاه الجديد.
هذا يعكس مدى تأثير الثقافة الشعبية، خصوصًا مع غياب التعقيدات التقنية، إذ يمكن لأي شخص عادي اليوم استخدام تطبيقات مجانية تقوم بتحويل صورهم إلى رسوم متحركة على غرار الأنمي بأسلوب غيبلي بسهولة ودقة كبيرة.
ومع ذلك، لا يمكن أن نغفل عن حقيقة أن هذه الظاهرة ليست جديدة، حيث كان هناك العديد من التطبيقات والأدوات التي توفر نفس هذه الميزة منذ فترة طويلة، لكن الفرق اليوم يكمن في الشعبية الهائلة التي اكتسبتها هذه الظاهرة.
فالمستخدمون أصبحوا يتقاسمون صورًا معدلة للتعبير عن مشاعرهم أو حتى للسخرية من الأحداث الجارية في المجتمع بشكل غير تقليدي. ومع دخول الذكاء الاصطناعي في صناعة الصور، أصبح التفاعل مع هذه الأدوات أكثر دقة وسهولة من أي وقت مضى.
من جهة أخرى، ما يثير القلق هو رد فعل الفنانين والمبدعين على هذه الظاهرة. ففي تعليق قوي، عبّر هاياو ميازاكي، مؤسس استوديو غيبلي، عن استيائه الشديد من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعديل الصور بأسلوبه الفني، واصفًا ذلك بأنه “إهانة للحياة ذاتها”.
هذا التصريح يعكس الشعور العام الذي يشعر به العديد من الفنانين، الذين يرون في هذه الأدوات تهديدًا لحقوقهم الإبداعية وأصالة أعمالهم الفنية. فهم يعتبرون أن هذه الأدوات لا تأخذ بعين الاعتبار الجهد المبذول في إنتاج الأعمال الأصلية، بل تساهم في تمييع هذا الجهد وتحويله إلى مجرد صورة مزخرفة.
هذا الصراع بين التقليدي والحديث يعكس توترًا دائمًا بين التقدم التكنولوجي والحفاظ على حقوق الإبداع. فبعض الفنانين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي يساهم في “سرقة” الإبداع البشري، بينما يرى البعض الآخر أنه مجرد أداة يمكن استخدامها لتوسيع حدود الإبداع.
بالنسبة للكثيرين، ومع تزايد الاعتماد على هذه الأدوات، قد يبدو أن الصناعة الفنية تتجه نحو “تسليع” الفن، حيث تصبح الصور والرسوم أكثر قابلية للتكرار والتعديل من دون فائدة إضافية، وهو ما يتسبب في فقدان جزء من جوهر الفن.
ومع انتشار هذه الأدوات على مستوى العالم، يزداد القلق حول تأثيرها على الفنانين في جميع المجالات. في المغرب، يمكن ربط هذه الظاهرة بالاحتكاك الثقافي المستمر مع التقنيات الحديثة، حيث يشهد المجتمع المغربي تزايدًا في استخدام الأدوات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن الذات.
هذا التحول يواكبه تطور ملحوظ في كيفية تأثير التكنولوجيا على الحياة اليومية، سواء في السياسة أو في الرياضة أو حتى في الفن.
ولكن رغم أن هذه الظاهرة قد تكون مثيرة للاهتمام وتحمل جوانب من المرح والإبداع في بعض الأحيان، فإنها تفتح الباب لمناقشة أعمق حول مفهوم “الإبداع الأصلي” في عصر الذكاء الاصطناعي. هل يمكن أن نحافظ على القيمة الحقيقية للفن في ظل هذا الزخم التكنولوجي؟ أم أن أدوات مثل هذه قد تؤدي إلى تآكل الأصالة وتغيّر مفاهيم الإبداع؟
إن الجدل بين مؤيدي الذكاء الاصطناعي ومعارضيه هو مجرد بداية لمناقشة أوسع حول كيفية التوفيق بين التقدم التكنولوجي والحقوق الإبداعية. في النهاية، ما يبقى واضحًا هو أن هذه التكنولوجيا تفرض نفسها بقوة على الساحة الفنية، ما يجعلها بمثابة نقطة انطلاق لمناقشات تتعلق بمستقبل الفن في عصر الذكاء الاصطناعي.