الحدث بريس:إستطلاع.
استفحل الحديث في الأونة الأخيرة حول العنوسة في الفضاءات العمومية بشكل عام، وفي واحتنا بشكل خاص، حيث ينتعش الحديث اليومي والمناسباتي بالعديد من الأوصام الاجتماعية التي تحيك صورا محنطة حول الظاهرة وتستهدف بالدرجة الأولى فتيات الواحة العازبات منهن بالقسط الأوفر، إذ هن على مرمى نيران تقييمات اجتماعية أحكم المجتمع التنجدادي شحنها (تنجداد أو منطقة فركلة عبارة عن واحة تقع في إقليم الرشيدية) .
فلا يخلو حديث في الحمامات أو في الحدائق والمقاهي والمناسبات بين شخصين أو أكثر كانوا رجالا أو نساء دون الخوض في أخبار الزواج والطلاق والعنوسة، كمفاهيم بمثابة السقف الثقافي للواحة، كلوحة الرموز التي تحكم العلاقات الاجتماعية، فالزواج طقس دو أبعاد رمزية وثقافية ومؤشر على الاعتراف الأخلاقي ” الستر” ثم العنوسة كصفة بمثابة عار، ازدراء مبالغ فيه، كمؤشر على انهيار القيم واستفحال الرذائل.
تجد فتيات الواحة أنفسهن يتأرجحن بين سيف دو حدين ” عنوسة أو زواج تقليدي في غالبه محكوم بالفشل مند البداية ، فيه إكراه وقتل رمزي للذات، وانتحار لإرضاء الوالدين ونظرات المجتمع التي لا ترحم ، فمند ولادتهن يجدن أنفسهن في علب مغلقة ، في أسر تحملهن مسؤولية الكبار وهن لا يزلن بعد صبيات، يتولين تربية إخوتهن الصغار ويساعدن الأمهات في نصف الأشغال البيتية ويلعبن أدوار الأمومة في سن مبكرة وشيئا فشيئا ينصهرن في صور نمطية تجعل الأمومة والأشغال البيتية هي السقف المنشود لطموحاتهن كأنه قدر لا مفر منه.
فالزواج بالنسبة لهن هو الملاذ من قسوة الأسر ومن سلطة الآباء والإخوة من الذكور ، بحيث يفضلن سلطة الزوج وقمعه وهيمنته على سلطة الإخوة لأنهن يقلن على الأقل سننجب الأولاد عساهم يعوضوننا خيرا ذات يوم ، ليعشن في النهاية عنفا وقهرا مزدوجا ، إما الصبر في بيوت الزوجية رغم مرارة العيش وإما العودة إلى أسرهن كمطلقات وينظر إليهن كائنات معاقة فقدن أهم طرف فيهن وليس مرغوب فيهن بعد بالدرجة الأولى ، علاوة على نظرات المجتمع وألفاظه الجارحة الذي يضع المطلقات موضع المومسات، إذ يعتقد أنه لا يوجد بعد رادع يمنعهن من عيش المغامرات الجنسية والإتيان بالفاحشة.
فتيات الواحة منذ العاشرة من عمرهن لا ينادين بأسمائهن وإنما يأخذن لقب العانس ” أيموود” أتنبورت” ينهرن ويعاملن بقسوة لم يأتين بعار أو فاحشة لكن ذنبهن أنهن إناث ، وهم تزويجهن حاضر مند ولادتهن ، ومسؤولية حمايتهن ومراقبتهن حتى لا يقع لهن سوء إلى حين تزويجهن عبئ يثقل كاهل الأمهات كما يصف المثل الشعبي الرائج في الواحة ذلك ” تربات هات أمي تومزد إزم سومزوغ” أن تربي فتاة فكأنك تمسك الأسد من أدنه وقد ينقلب عليك في أي لحظة ويرديك قتيلا ، فالثقافة الشعبية هنا تصور انفلات الفتاة من الرقابة وإتيانها بالفضيحة هو قتل رمزي لأنفة الأب والأعمام وكل ذكور العائلة.
الزواج والعنوسة أمران متلازمان في المخيال الجماعي للواحة ، فالزواج يعني لهم النجاح في الحياة ، الشرف، الكرامة، الستر، والعنوسة هي سخط اجتماعي ، لعنة ، مصيبة ، التابعة، السحر ، هي انهيار أخلاقي واختلال في القيم إلى غير ذلك.
كما يمجد المثل الشعبي الزواج ويبخس العنوسة فيقول مثلا” الراس المغطي حسن من الراس العريان ” وكذلك البنت لي وصلت الظفيرة ما بقات صغيرة”، وبالأمازيغية أزير أورديلن قاتين أغن يزان”
فالعنوسة عيب يستتبع عيوب أخرى في حالة عجز الفتيات عن صون عفتهن فالخطر وارد في وقوعهن في الرذيلة ، وكما جري العرف في الواحة فأن تموت الفتاة عذراء عار لا يخفف من وقعه إلا زغاريد النساء أثناء الدفن ، فعندما ترفض فتاة كل من يتقدم لخطبتها تحاول النساء إقناعها ” أتاول أنني بعد تسكت إلعزات” أن تمر بتجربة زواج على الأقل إن لم ينجح، فهي على الأقل جاهزة للدفن”.
فاتك القطار، انتهي فيلمك ، كلمات جارحة تجعل العانسات يزددن كرها لأنفسهن كأنه قضي عليهن ، ذهبت حياتهن سودا ، هدا لأنهن لم ينجحن في الحصول على زوج يعصمهن من أحكام المجتمع.