الحدث بريس:يوسف الرامش
ما زال يعيش بيننا اليوم العديد ممن عاصروا «عام البون»، الذي يعد آخر المجاعات الجائحة التي عصفت بالمغرب وأهله، خلال العقود الأولى من القرن العشرين، حيث يروي من شهد الفاجعة الكثير من المواقف، بدءا بأصل التسمية التي استعارها المغاربة من الكلمة الفرنسية «BON»؛ تلك الوريقات أو «الكارنيات» التي كانت تمنحها سلطات الحماية الفرنسية للجياع حتى يتسنى لهم شراء الحصص المخصصة لكل عائلة. فبِيعَ السكر بـ«البُون»، وبِيعَ الدقيق بـ«البُون»، وكذلك إبر الخياطة بيعت بـ«البُون»…
لكن تبقى هذه الأزمة هي الأهون، إذا ما قورنت بأعوام الجوع التي عاشها الأسلاف في القرون السابقة، حيث لم يكن هناك لا «بون» ولا ما يشترى به. فلم يجد الجياع ما يحركون به أمعاءهم، ولم يتركوا حيا أو ميتا يدب على الأرض، إلا ونالت منه أسنانهم عسى أن تسكت البطون التي تتضوّر جوعا، وعندما لم يبق على البسيطة شيء، شقوا الثرى وأخرجوا جذور النبات، مبدعين أصنافا جديدة ما زالت إلى يومنا حاضرة ضمن مفاخر المطبخ المغربي؛ فالحاجة أمّ الاختراع، وفي هذه الحالة يكون الجوع هو والده.
إنه وحي البطون الفارغة الذي دفع المغاربة إلى التفنن في تحضير الأطباق مما سهُل الحصول عليه من أسباب العيش، خلال سنوات الجوع وفترات الغلاء الفاحش، إما بفعل الطبيعة عندما تمسك السماء أمطارها أو يجتاح الجراد حقول المحاصيل المرتقبة، وإما بفعل الإنسان زمن تخاطف العروش وكراسي الحكم بين من مسّتهم لعنة الملك، فحاصروا إخوانهم، وضيقوا زمام المعاش على المعارضين والمستضعفين ممن والاهم، فكانت المسغبة، وأكل المغاربة أي شيء تصل إليه أياديهم حتى انتهى بهم الأمر خلال أفظع تراجيديات الجوع في التاريخ المغربي إلى أكل لحوم البشر.
اين الحكايات، المقال كله مقدمة