هذه المقالة هي كلمة في حق المرحوم حسن العدناني (عضو خركة 23 مارس) ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي الذي وافته المنية مؤخرا 25 دجنبر 2021 بطنجة بعد مرض عضال لم ينفع معه علاج. (م. الهجابي)
هو ابن بلدة غورامة (أو ݣرامة، تيزيين سابقاً) التابعة لإقليم درعة تافيلالت . بهذه البلدة الصغيرة، ذات التضاريس الجبلية الأطلسية الحادة والوعرة، وعلى مشارف وادي ݣير، ولد حسن أواسط الخمسينات من القرن 20، وبها دخل المسيد ليتعلم أبجدية اللغة العربية ويحفظ ما تيسر من آيات القرآن، وفي ذلك تمهّر وحذق وأفلح. كان حسن يتحدث أمازيغية آيت إزدك وآيت سغروشن باعتباره أمازيغياً.
تابع دراسته الابتدائية والإعدادية بمدينة الريش على بعد حوالي 50 كلم من مسقط الرأس. ويهذه الأخيرة قطن في دور رفقة تلاميذ من المنطقة. يحكي لي الفقيد أن البرد القارس، إبان فصلي الخريف والشتاء، أنهش منه الجسد وأضواه وأورثه أمراضاً قاسية حملها معه لوقت طويل من عمره. كان بالكاد يجد ما به يتلفع ويدفئ العظم الناخص. تعلم بالريش وتعلم بمدينة ميدلت (حوالي 120 كلم). كان الولد لا يني يتعلم مدفوعاً بدأب من والده كلما زاره وبتشجيع من جده (الذي كانت له رفقته طرائف عجيبة، لا زلت أحتفظ ببعضها كنا نتحاكاها ونشهق ضحكاً، من قبيل طرفة تحمل عنوان “تنجّم تعرف العلم ديالي؟”؛ وهو عنوان حوار دوري كان يجري بين “أحمق الدوار” وبين الجد يكون حسن، في العادة، الشاهد !) متى حلّ بغورامة في العطل. وفي العطل لم يكن يركن إلى حياة اللعب كباقي أترابه وأقرانه. لم يكن له ذلك وهو في مسيس الحاجة إلى ما به يواجه قادم الأيام. كان حسن، مثل الكثير من أطفال ذلك الزمن، يقضي العطل في اشتغال وعمل في مجال الفلاحة على ما هي عليه من شحٍّ وفي مساعدة والده الذي كان سائق شاحنات (كذا تعرفت إلى المرحوم والده). في وقت لاحق سيشتغل حسن معاوناً (كورتييه) بحافلات النقل. هذا الحب للعمل كبر مع الولد ولازمه العمر كله. رفاقه بالكلية بفاس سيقفون على هذا الولع لديه بالعمل وافتكاكه لمصروفه اليومي.
تعرفت إلى الفقيد حسن العدناني بمدينة مكناس. بثانوية بورد (عمر بن الخطاب حالياً) جمعتنا شعبة التعليم الأصيل بداية السبعينات وجمعتنا داخلية الثانوية. كان الولد شغوفاً بالتحصيل والمعرفة. يتقن فصيح الكلام وبه كان ينظم قصائد عمودية مكرسة. كان موهوباً حقاً. يتحدث اللغة العربية بإتقان ويكتب برجاحة وسلاسة تماماً مثلما يجيد الكلام والكتابة باللغة الفرنسية. لم تأسر أفقه مواد الأصول والفقه والتفسير والحديث التي كانت مواد الدراسة بالشعبة فتحشره ضمن التقليد والعتيق من أشياء وأفكار، بل كان طموحاً إلى التزود من علوم الإنسان والمجتمع والاغتراف من ينابيعها بالعربية والفرنسية معاً. أليس من العجيب ومن المدهش أن يختار خلال انتقاله إلى جامعة محمد بن عبد الله بفاس الدراسة بشعبة الاقتصاد بالفرنسية عوض كلية الشريعة أو أقله كلية الآداب !
كان الرجل عنيداً. لا يأبه بالمجهول. لم يكن يخيفه المجهول. يحب المغامرة (المغامرة المحسوبة إلى حد ما). لم يكن مغامراً بالمعنى المتواضع عليه. لا تخيفه الصعوبات وهو الذي تمرّس على مجابهتها. عناده من عناد التضاريس التي حكمت طفولته ومن مسار طفولته الصعب. بمكناس ستقربنا الرغبة في تغيير شروط البلد. كنت جئت مكناس من مدينة قصر السوق (الرشيدية) تدفعني حماسة الانتساب إلى قوى التغيير الراديكالي الماركسي والاشتراكي. وجدت في حسن الحماسة عينها. بثانوية عمر بن الخطاب وبشوارع المدينة صرفنا نحن جماعة من تلاميذ الثانوية هذا الزخم من الحماسة. شاركنا في إضرابات الثانوية وفي مظاهرات التلاميذ وفي مظاهرات فاتح ماي. كنا نحسب نفسنا يساريين. وكنا نتبادل الرأي والأفكار والكتب. الفقيد هو الذي عرفني زمنها بمجلة “الوقت” التي تصدر بلبنان عن الأحزاب الشيوعية والعمالية العربية، وهي صنو مجلة «Bulletin du Socialisme International». أذكر يوم قدم لي عدداً من هذه المجلة ذات الطباعة المتوسطة. أذكر كيف التهمت مواضيعها واستزدته منها أعداداً أخر. قال إن أحد أقربائه هو الذي كان يمتلكها. كان يقدم إلي المجله إياها وكنت أقدم إليه، بالمقابل، أعداداً من دورية Le rouge الفرنسية وذات المنحى التروتسكي. زمنها كنا نبحث لنا عن سبيل نحو قوى اليسار. لم نكن ندرك تمام الإدراك الحدود الفاصلة بين التروتسكي والماوي والشيوعي “التقليدي” والماركسي –اللينيني.. إلخ. كنا لا نزال مليطي صفقي الوجه والذقن، وبالكاد يطلع، من طرف خفي، زغب محتشم هنا وهناك. كان الزمن زمن رصاص وجمر. كان للجهر بالقول الممانع ثمنه وكان للخوض في النضال تبعاته. في هذا الزمن توطدت علائقنا بمكناس أولاً وبفاس تالياً، ثم بباقي المدن التي آلفت بيننا. من الطرائف التي جمعتني بحسن إبان فترة الثانوي أذكر يوم اقتنيت كنانيش وصرت أدبج فيها بياناً نارياً تحريضياً نقلاً عن منشور للنقابة الوطنية للتلاميذ (لم أكن أعي خطورته وأنا في عمري ذاك) وصرت أحشر البيان إياه في قمطرات طاولات القسم أمامي، وقد حسبت أن القسم فرغ من التلاميذ وخلا من دوني، وإذا بحسن يباغتني من الخلف. فجمعت أوراقي/مناشيري وسرت إلى الباب مسرعاً فيما هو يتبعني مستغرباً. سنستعيد أنا وحسن تلك الطرفة، وطرائف شبيهة، كلما كان الوقت يأذن لنا بها ويسمح. بالثانوية كنت أميل إلى الانخراط حزبياً بينما كان حسن متريثاً. التريث هذا سيلزمه بالكلية. بظهر المهراز، بدايات السبعينات، كنت مناضلاً بحزب التقدم والاشتراكية، وكنت بمكناس قد تعالقت بفصائل اليسار الجديد وتكافحت بها وبحزب التحرر والاشتراكية. لم يتحزب حسن أوائل سنوات الجامعة. كان على الأرجح يحاور مختلف فصائل اليسار مع قدر من العطف على حزب التقدم والاشتراكية. كنا نحسبه مناضلاً حزبياً بالقوة. نشركه أنشطتنا وأعمالنا. كان حريصاً على استقلال في الرأي، ولم نكن نلج عليه أو نضغط. كان مناضلاً وفق قناعاته هو لا كما يمليها عليه العمل الحزبي. قاسم، من قبل، مناضلي الحزب السكن جوار محطة الساتيام ( رفقة باها والأهالي وعيش وآخرين)، ولما ارتبط بمناضلي حركة 23 مارس، كما سيأتي ذكره بعد قلبل، قاسم مناضليها السكن بحي زازا (صحبة بنخار ونايت لها وآخرين ). وفي الحالتين معاً لم يكن يفارق المناضلين إلا لماماً.
سنة 1978 وقبلها بشهور دشن مناضلو الحزب الذين سيلتحقون بحركة 23 مارس نقاشاً. وكانت لي معه شخصياً لقاءات. ومعه ومع ن. م عقدنا اجتماعات بعيداً عن الأعين في خلاء قرب سكة الحديد خلف حي الدكارات. كان يحضر المواعيد بانتظام، ولا يخلفها، متأبطاً محفظة جلد قلما تفارقه. كانت المحفظة هاته من بين خصيصاته الضاربة. لا يستقيم حسن من غير محفظة تحتوي على كتاب أو كتب وأوراق وأشياء قد لا تخطر على بال. رفاقه وأصدقاؤه الحميمون وحدهم يحدسون ما تحتوي عليه هذه المحفظة/الجراب. سيظل حسن يحمل المحفظة/ الجراب، حتى وإن تبدل اللون والحجم، الزمن كله. أينما حل وارتحل تكون المحفظة خفيره. وسيكسب الولد مكانة متميزة داخل فصيل “الطلبة الدبمقراطيون” أواخر السبعينات. ميزة الولد في إطلاعه الواسع على شؤون الاقتصاد السياسي والفكر. كان قارئاً نهماً لا يخشى الجدال ولا يرهبه النقاش. كان مثقفاً. يقرأ في الفلسفة والاقتصاد والتصوف. ميسم النسك والتصوف والزهد ميسمٌ لازبٌ. لم يكن الولد يتشوف إلى غنى أو مديح أو حظوة. كان همه الوحيد أن يمارس قناعاته وهواياته. عرف عنه التواضع والظرافة والدماثة وحب الحياة. لا يبرع في حكي النكت والمستملحات بل يبرع أيضاً في خلقها وصنعها والإبداع فيها. وهو المنشد سيراً على وتيرة نشيد طلابي:
إلى قلب بوجلود يوماً سنوعد / إلى قلب بوجلود يوماً سنعود
هيا ياشباب والحَرْشة تحباب/ هي يا شباب والحرشة تحباب
… وهلمجراً
كان يبرع في إدخال أجواء البسطة وطقوس الراحة بين المناضلين. وكان حاذقاً في لعب “الضامة”. ولأنه شعبيٌ، وابن الشعب البسيط، فأنت حين تبحث عنه عليك أن تستقصي خبره عند أصحاب الحوانيت وبين زمرة المتقاعدين والشيوخ إذ تراه مندلثاً في لعبة “الضامة” لا يلوي على شيءٍ. يلصق المحفظة/ الجراب بين ركبتيه ويمحور كامل عقله على اللعبة.
بفاس، لما صار أحد قاطني “دار ابن خلدون” –وهي من الدور التي توارث السكنى بها مناضلون يدور أغلبهم في فلك حركة 23 مارس فمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي- شرع يجلي موهبة في إصلاح أجهزة الراديو. كان بيته عامراً بالأجهزة. ومنذ ذلك التاريخ، بدايات الثمانينات، بات حسن يظهر ميولات نحو إصلاح الأجهزة الإلكترونية ولا سيما منها أجهزة الراديو والتلفاز والتسجيل. لم يكن رجل علم اقتصاد ورجل ثقافة وأدب وحسب، وإنما كان، إلى ذلك، رجل تقنية وعلم تطبيق. جل إخوته نجحوا في تحصيلهم العلمي كأنما أخذوا عنه هذا الولع بالمعرفة والعلم.
هذه الحرفة، حرفة إصلاح الأجهزة، سكنت حسن ولم تبارحه قط. انتقلت معه لما هاجر إلى الرباط لمواصلة دراسته بشعبة الاقتصاد بجامعة محمد الخامس. وانتقلت معه إلى الدار البيضاء والمحمدية فطنجة. صارت الشقق التي قطنها صحبة زوجته ورفيقة عمره الصديقة العزيزة نجية تعج بالآلات والأجهزة من أحجام مختلفة. وبطنجة صار له في هذه الجرفة طويل باع. وليس من المبالغة في شيء القول إن حسن أثث شقته بالكتب وبالكثير من أسباب إصلاح الأجهزة أيضاً. هو بيته ومحترفه في آن.
بكلية الحقوق بالرباط انخرط في العمل الحزبي لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي “مكرها” أو بالضرورة. أذكر، إن لم تخني الذاكرة، أنه كان ضمن إطار حزبي يضم العزيزين حورية والخمسي أيضاً. شارك في تحرير مقالات بنشرة “الشباب الديمقراطي” بتكليف من هيئة تحريرها مثلما شارك في أنشطة “الطلبة الديمقراطيون”. ومن طرائفه العجيبة أنه كان قد قضى أياماً لوخده بمدينة سلا، بحي السلام، في شقة العزيز محسن عيوش، يحضر لامتحانات كلية الحقوق، ولما كان يوم اجتياز الامتحان خانه النوم فأخلف الموعد !؟.. وهذه من طرائف حسن الخالدة.
بعد حين، أي بعد التخرج، سيحل حسن بالدار البيضاء ليشتغل في إدارة “الاتحاد العام لمقاولات المغرب” بإشراف من عبد الرحيم الحجوجي (الذي سيتولى رئاسة الاتحاد في التسعينات) والعزيز محسن عيوش؛ وهي تجربة تعلم حسن منها الشيء الكثير. ابتداء من سنة 1984 صرت ألتقي به كلما زرت الدار البيضاء. كنا نقضي أوقاتاً في الظهيرة نرتاد فيها المطاعم والمقاهي أو نتسكع فحسب. كان حسن يبحث له عن الاستقرار وبناء أسرة. لم تكن الدار البيضاء تسعفه. الغلاء والأجرة البسيطة لا يسمحان بذلك. لم يكن يتوفر على مأوى ثابت وخاص به. رأيته مراراً يفترش الكارتون بمكتب الاتحاد. كانت شروطه صعبة للغاية. وصارت أحواله أشد صعوبة لما تزوج واعتقل العزيز محسن وسجن في سياق الحملة التي باشرتها السلطات ضد منظمة العمل الديمقراطي الشعبي.
عندما تفرغت أنا للعمل الحزبي اكتريت شقة (كارسونيير) بشارع محمد الديوري بالقنيطرة سنة 1984 وكان حسن قد عثر على شغل بشركة تعود ملكيتها إلى رجل الأعمال زيزي. وصار يقاسمني الكارسونيير. يظل أيام الأسبوع بالقنيطرة فيما يقضي الويكاند بالمحمدية حيث كانت زوجته قد عينت أستاذة بإحدى مؤسساتها التعليمية. لأكثر من سنة كنا نلتقي بشقة عزيزنا عبد الرحمان زكري الذي انتسجت بينهما رفقة وصداقة معتبرتين وراسختين. ثمّ لما تفرد الزوج حسن ونجية بشقة لوحدهما صرت أقضي ليال ب”مدينة الورود”. تارة بمنزل زكري وتارة أخرى بشقة حسن. تحمل حسن المسؤولية باللجنة المحلية للمنظمة بالمحمدية إلى جانب خيرة من مناضلي المدينة. وكنا نحن الثلاثة في العادة، حسن وزكري وأنا، وأحياناً صحبة نجية، نثير نقاشات مثمرة ونتبادل خبرات ونلبس كل ذلك بأردية المرح والفرح. أذكر خرجات مشتركة لنا بشوارع المحمدية وأزقتها الشبه خالية نتضاحك ونتمازح ونتلاعب ون”تقاشب”. لكم ضحكت رفقتهما/هم حتى أن الوجه يشرق والعين تدمع والنفس تكاد تزهق. أيام عمل حزبي متوثب ومثابر كانت وأيام مرح وسرور. كان بيت حسن مفتوحاً للضيوف. لم يكن يغلق الباب في وجه مستجير أو ضيف. وحتى في الأوقات القاسية التي أضحى عليها رفيقنا المرحوم محمد وردي، أستاذ الفاسفة بالمحمدية، كان حسن وزوجته العزيزة نجية العون له في محتنه والعضد إلى أن وافته المنية في ظروف غير رحيمة أواخر الثمانينات. ظل باب بيته مفتوحاً في طنجة كذلك. ذاك دأب الرجل وديدنه.
قاسمني حسن الكارسونيير بالقنيطرة لأشهر. لم نكن نلتقي إلا قليلاً. حينما أحل بالكارسونيير ليلاً أجد حسن مستغرقاً في نومه تاركاً لي ورقة تحمل خبراً أو تعليقاً. وعندما يبكر إلى العمل أكون أنا في نومة هانئة لا أزال. يدبج ملاحظة بورقة ويتركها على المكتب ويغلق الباب وراءه. يحدث أن أحلّ بالقنيطرة قبل أن يجن الليل فأمضي أفتش عنه في الجوار. أعرف أنه سيكون، ولا شك، مُستوعباً من طرف لعبة “الضامة” قرب حانوت. بالقنيطرة في ما أحسب بدأ مرض السكري يدب إلى جسمه. ولأن ثمة ما يدفع به إلى العودة إلى المحمدية فقد غادر شركة زيزي وعاد إلى العمل بالدار البيضاء. ومرة أخرى صارت المحمدية ملتقى لنا كلما أنهيت عملي الحزبي بالدار البيضاء.
اجتاز مباراة الالتحاق بغرفة التجارة والصناعة بطنجة فرحل إلى “عروس الشمال” تتبعه زوجته بعد وقت. وبطنجة شحذ الرجل موهبته في العمل التقني وكان مجداً فيه ومثابراً، وإلى ذلك تحمل المسؤولية الحزبية في اللجنة المحلية لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي. وعقب رحلة دراسة له بكندا عاد إلى وظيفه. زرته مراراً بطنجة وأمضينا أوقاتاً نسترجع فيها ذكريات لنا. بهذه المدينة ازدان فراشه بابنته ثم ولده. وهنا بطنجة عثر حسن على قدر من الاستقرار. لم يتوان قط عن تلبية نداء منظمة العمل الديمقراطي الشعبي متى كانت الحاجة إلى مساهماته، حتى وقد اشتد عليه المرض ووهن منه الجسد وفتر. ساهم بقسط في العمل البرلماني للمنظمة في مجال تخصصه: الاقتصاد. على أن المرض بات ينهش منه العظم والجلد. آخر مرة سافرت فيها إلى طنجة أبغي مجالسته أو الجلوس إليه كانت سنة 2010 أو 2011. أذكر أنه جاء يستقبلني بمحطة المسافرين وبه تعب. لم يكن يمشي المشية الكاملة. كان خطوه متلكئاً وثقيلاً. كان السكري قد أمسى ينخر قدميه. حسن الذي شاهدته يومها ليس بحسن الذي عرفته في السبعينات والثمانينات. حقاً لم تبرح النكتة عالمه بيد أنه لم يعد كما كان عليه حاله يوم كان معافى أو على الأقل كما كان يبدو للأغيار.
في مكالمة تبادلناها معه نحن ثلة من رفاقه سنة 2019، أي ما قبل كورونا، أقصد بين الفقيد المصطفى السفياني وحميد باها ومحمد البوزياني وأنا بشقتي بالقنيطرة طوراً وفي مكالمة كانت لنا معه بمكناس، قبل شهور قليلة، لعله شهر مارس من 2021، أي بيني أنا وحميد باها طوراً ثانياً، تواعدنا على زيارته صحبة عزيزنا المصطفى سكم، ولا سيما وقد صار مقعداً لا يمشي سوى بواسطة كرسي متحرك.
لم نزره لا في سنة 2019 ولا في سنة 2020. للأسف لم نفعل لأسباب خراج الإرادة على الأرجح. حتى إذا جاءنا خبر نعيه ليلة الجمعة 2021 أحرقنا على الخبر الأُرّم بعد فوات أوان. رحل حسن العدناني والأمر بات اليوم مقضياً..
لروحك فقيدنا العزيز سي حسن السكينة والسلام والرحمات ولزوجتك صديقتنا العزيزة نجية العلاوي الصبر والسلوان ولفلذتي كبدك، ابنتك وولدك، وباقي أفراد الأسرة والعائلة تعازينا الحارة. أقولها/نقولها بحرقة وألم: وداعاً حسن وداعاً أيها الصديق والأخ والرفيق..