الحدث بريس : الصادق عمري علوي.
إن الذين مهدوا الطريق لمواصلة الديماغوجية واللعب على أوتار التنمية يتحملون مسؤوليتهم التاريخية بعد الإعفاء … فما من أحد له ذرة كرامة في هذا الوطن يتقبل الانجرار وراء تسفيه العمل الصحافي وتقزيمه وإفراغه من محتواه ، لأنه الصوت الناطق بعفوية منبثقة من الواقع ، وانعكاس جلي لما يحتدم فيه ..في أفق الإصلاح الذي يسعى إليه الجميع .
لسنا ضد أي تنظيم حزبي يعمل في إطار المؤسسات ويحترم الدستور والثوابت . إن المشكلة بجهة درعة تافيلالت تكمن في “ذات ” تقف أعلى الجبل ، وتنظر لمكونات السفح وكأنهم مجرد قطيع وديع ، أو أرتال أمية جاهلة لاتفقه شيئا في عالم السياسة والاقتصاد و الثقافة والفكر .
بلاغ وأي بلاغ ..! يبغي ” التنمر ” على جهود ذاتية بناها الصحافيون وطنيا لبنة لبنة لإثبات كينونتهم ، لتأتي ذات محاولة الهيمنة عليه وتقسيمه ، موزعة على المختارين صكوك الغفران ، والتبشير بالخلاص و الدخول للجنة الموعودة … تماما كما هو ديدن ” قاصم ” الجزيرة في إثبات البراعة والعبقرية ، وخلق التناطح بين الدول .. عفوا الصحافة .. !
الامعان في ممارسة الوصاية ألفته الشخصيات الميكيافيلية ، والغلظة مآلها معروف ونتائجها محسومة ، لم يبق إلا تنميق المشاهد وتنويع وتزويق الديكور ، والإكثار من اللافتات والزخارف ، سيل من البلاغات يتوافد ، كل المنابر الإعلامية في الجهة لا بد أن تضع الطلب مرفوقا بالوثائق المطلوبة ، بعد أن مرت من المحشر إلى المنشر .. وإن أبت الانصياع فهي مغرضة حاقدة ، وضد التنمية الجهوية .
صحيح أنه لا يصح إلا الصحيح ، وليس هناك عيب في تكريس قيمة التواضع في مجتمعنا ليتلقى الصحافي بعض كلمات المجاملة والإطراء ، وبعض فتات الدعم إن كان .. وربما الانتقاد ، وقد يكون الإبعاد لزلة لسان ، أو تصرف حدث عن سهو أو نسيان ، أو تصرف خرج عن الذوق العام و أخلاقية المهنة .. وقد يتعرض للمتابعة القضائية …
حتى وإن قدم المنبر الصحفي المفترض للتغطية أوراق اعتماده ” الفيزا ” للذات العارفة بمصالح الجهة – والتي ليس لها الحق جملة وتفصيلا في تنصيب نفسها ” كمندوب استشاري ” نيابة عن الوزارة المعنية بقطاع الاتصال أو عضوا بالمجلس الوطني للصحافة الذي تؤطره قوانين خاصة – فلن ترضى إلا بانبطاح الصحافي لتمنحه الرضى والقبول .
يرحب المنبر الصحفي الذي حصل على الملائمة بهكذا بلاغ ويثمنه ك “دعوة ” فقط وليس كمضمون يحمل بنودا جبرية للكينونة … واتجاه معين لقياس مدى مصداقية ومهنية الطرف القادم هرولة للحصول على بطاقة النباهة والتنويم ، وسابغ النعم . وهنا نتساءل منطقيا أبعد بطاقة المجلس الوطني للصحافة من بطاقة ؟
إن هذا الفعل يعطي أحقية للمؤسسات المنتخبة وغيرها في توزيع بطائق الإعتماد وتسميها كما شاءت … وتستدعي الصحافيين الذين ينتمون لها ، وهكذا يتميع المشهد الاعلامي ببلادنا وكل “سيصلي على قبلة ” وتضيع الحقيقة .
ما مر يوم إلا وتمطرنا الغرابة ، وتستوقفنا أداة التعجب عبر مسارات جمل تسطر ، وتوقع لانعرف سقفا لخيالها المبدع ، ونقول لماذا هذه الترسانة من القوانين ؟ وكأننا بصدد تمطيط وتطويع بنود ” الكتاب الأخضر ” ليستقيم وعصر الجماهير ليأتينا بالعجب العجاب .
حبذا لو كان البلاغ ” كالكتاب الأبيض لتأهيل الصحافة الالكترونية : تحديات وتوصيات ” لقلنا هذا على الأقل خارطة طريق لخلق ميثاق الثقة ، وضمان استقلالية الصحافي ، أما أن يختار لون – انطلاقا من شروط محددة – يعتمد دائما في مجلس الجهة فهذا يسمى الإستحواذ والهيمنة ” ما أريكم إلا ما أرى “.
أي شيء نخشاه ونخاف خسرانه ، وقد طوقت الدروب ، وعتمت المسارات ، ووضعت الأسلاك الشائكة ، وفصلت القوانين على المقاس لخدمة أجندة واحدة وتصور أحادي ، بل لا نستبعد الهمس في الآذان وهذا الفعل له تاريخ في قصة الساقي المجتبى في حضرة الوزير .
لقد كان حريا بالذات “الفاعلة جهويا ” أن تمتلك قدرا من اللباقة و “الصنعة ” في اختيار البنود الموجهة للصحفيين وفق اختصاصاتها الدستورية ، وليس ماتمليه الهواجس والايديلوجية القروسطوية .
لماذا يتم تحجيم قدرات الفعل الاعلامي جهويا ، ووضعه على “سرير بركوست ” و إجباره على الجلوس على أرجوحة اختيار يروم تدليله وإذلاله واستصغاره ؟
ليكن في التفات “الذات ” أن الصحافة ليست مواد خام توضع لتقسم ، أو تحول إلى ذرات للتفاعل داخل إنبيق موصولا بأنابيب زجاجية وفق مقادير ومعادلات كيميائية ، خاضعة لتجربة يراد بها تمتيع الخيال في المختبر ، ولا هي ديكور لتأثيث الفضاء ، ولا هي مواد وآليات فزيائية تسير وفق نمط مرسوم معد بمقدمات مسبقا .
الصحافة فعل إنساني وحضاري حر بما يضعه هو لنفسه بالممارسة اليومية من حدود أخلاقية تحترم الآخر ولا تحنط قدراته .
وللقاريء تمعن شروط البلاغ ليكتشف حجم الاستخفاف بكفاءة كل الصحافيين بالجهة ، ألا تعلم الذات أنها في باديء أمرها لم تكن تعلم في عالم السياسة والاقتصاد شيئا وأنها بالتدرج وصلت إلى استجلاب المشاريع العملاقة من بلاد الصين .
بعد الانتهاء ذيلت الذات مجددا البلاغ بعبارة “القنوات والمؤسسات الاعلامية العمومية غير معنية بهذه الاجراءات ” الإحترازية التي تروم تنقية الأجواء ، وتحسين الأداء .
لم تساعد عبقرية ” الذات ” التفكير في تشجيع الاستثمار في قطاع الصحافة الالكترونية ، وتعزيز دورها في الاستغلال الأمثل للتقنيات والتكنولوجيات الحديثة ، والرفع من مستوى فرص الشغل في قطاع الإعلام ، وخلق مراكز لدعم وتشجيع الصحافة عن طريق التفكير في عقد شراكة بين مجلس الجهة ووزارة الاتصال وكذا وزارة المالية لخلق صندوق استراتيجي لتنمية الصحافة”Le fond stratégique pour le développement de “la presse ، على غرار الدول المتقدمة لكون الصحافة تقدم خدمات جليلة للدولة والمجتمع ، وهي خدمات تحتاج للدعم دون مزايدات وانتقاءات .. ” الشرط عند الحرث ، ولا خصومة عند النادر ” لابد أن تتوفر أيها الصحافي الجهوي على بطاقة الاعتماد من مجلس الجهة “فهمتي ولا لا ” …