تستمر أسعار الأدوية في المغرب في إثارة الغضب والسخط بين المواطنين الذين يعانون من ارتفاع تكاليف العلاج، رغم التفاوت الكبير بين الأسعار في المغرب وبعض الدول الأوروبية. هذا التفاوت يعود في جزء كبير منه إلى جشع الشركات الكبرى في قطاع الأدوية وغياب الرقابة الفعالة من الدولة، ما يجعل الأدوية تظل بعيدة عن متناول الكثيرين، حتى في ظل تفشي الأمراض المزمنة والتهديدات الصحية الأخرى.
في المغرب، تُحقق شركات الأدوية هوامش ربح تصل إلى 300% أو أكثر، وهو ما يُعد استغلالًا فاضحًا للمواطنين. فعلى سبيل المثال، الأدوية التي يتم تصنيعها بثمن منخفض (أقل من 588 درهمًا) تبيعها الشركات بفارق يصل إلى 400 درهم للعلبة، بينما تظل تكاليف التصنيع الفعلية في حدود المعقول. هذه الهوامش المرتفعة ليست إلا دليلاً على الربح السريع الذي يجنيته شركات الأدوية على حساب صحة المواطنين وميزانيتهم.
تشير العديد من التقارير إلى أن السوق الدوائي في المغرب يعاني من احتكار تام من قبل الشركات الكبرى، مما يحد من التنافسية ويؤدي إلى رفع الأسعار بشكل مستمر. بينما تظل الأدوية الأساسية خارج نطاق متناول الطبقات الفقيرة والمتوسطة، تُقابل الشركات الصغيرة والمنتجون المحليون معوقات قانونية وإدارية تجعل من الصعب عليهم المنافسة.
إذا قارنا أسعار الأدوية في المغرب بنظيراتها في فرنسا وبلجيكا، نجد أن أسعار الأدوية في المغرب تتجاوز بعشرات المرات. على سبيل المثال، يُباع دواء السرطان في المغرب بسعر ، بينما يباع نفس الدواء في فرنسا بسعر أقل بكثير. هذه الفوارق السعرية تشير إلى اختلالات كبيرة في آليات تسعير الأدوية، التي غالبًا ما يتم تحديدها من قبل الشركات، وليس وفقًا لمعايير قانونية أو شفافة.
بالرغم من الوعود الحكومية المستمرة بتحسين وضع القطاع الصحي، يبقى المواطن المغربي هو الأكثر تضررًا من هذا الوضع. فقد أظهرت الدراسات أن أسعار الأدوية في المغرب هي الأعلى بين الدول العربية، بل تتفوق على بعض الدول الأوروبية التي تتمتع بقدرة شرائية أعلى بكثير. هذا يشير إلى فشل الحكومة في توفير حلول حقيقية لهذه الأزمة.
ورغم محاولات الحكومة المستمرة لتبرير الأوضاع، مثلما حدث مع تصريحات فوزي لقجع حول تحديد هوامش الربح، إلا أن هذه الوعود لا تمثل أكثر من مجرد كلام فارغ. ففي واقع الأمر، لم تُترجم أي من هذه الوعود إلى إجراءات ملموسة وفعالة لتقليص الأسعار. الجشع المستشري في الشركات المستوردة للأدوية لا يزال مستمرًا، بل إنه مدعوم بغياب رقابة فعلية من الجهات الحكومية.
على الرغم من وجود محاولات لتخفيض أسعار بعض الأدوية، إلا أن الوضع العام لا يزال مُؤلِمًا. يعاني المواطن من ارتفاع تكاليف العلاج حتى للأدوية الأساسية التي لا غنى عنها. وبينما تتحدث الحكومة عن إصلاحات في القطاع الصحي، يبقى المواطن هو من يتحمل العبء الأكبر، حيث يجد نفسه مضطراً لدفع أموال طائلة للحصول على أدوية تحسن من صحته وتطيل عمره.
أسعار الأدوية في المغرب تظل محكومة بسياسات غير شفافة تمامًا، وهو ما يعزز الفساد في القطاع. لا أحد يعرف كيف يتم تحديد أسعار الأدوية أو من هم الأطراف الحقيقية التي تحدد هذه الأسعار، مما يزيد من صعوبة إيجاد حلول عملية لهذه المشكلة.
السياسات المتبعة تساهم في تعميق الهوة بين الطبقات الاجتماعية في المغرب. فبينما تزداد أسعار الأدوية، يجد الفقراء أنفسهم غير قادرين على الوصول إلى العلاج المناسب. وبذلك، تتسع فجوة الطبقات في البلاد، حيث يُحرم الكثيرون من حقهم في الحصول على الرعاية الصحية الأساسية.
لا يُمكن أن تستمر هذه الحالة من الاستغلال والجشع في قطاع الأدوية، والحديث عن تخفيض الأسعار لا يعدو كونه مجرد استعراض إعلامي. تُظهر البيانات أن الحكومة لم تبذل الجهود الكافية لتنظيم السوق وضبط الأسعار، مما يجعل القضية تتطلب تدخلًا عاجلاً. إن معالجة أزمة أسعار الأدوية في المغرب يتطلب إصلاحات جذرية في قوانين التسعير وفرض رقابة صارمة على الشركات الكبرى في هذا القطاع، بحيث تضمن حق المواطن في الحصول على الأدوية بأسعار معقولة.
إن استمرار الوضع الحالي يعكس فشلًا ذريعًا في إدارة قطاع الأدوية في المغرب. الشركات تستمر في تحقيق أرباح طائلة على حساب المواطن البسيط، بينما الحكومة لا تقدم حلولًا ملموسة لإنقاذ الوضع. هذا الأمر يتطلب تحركًا سريعًا، ليس فقط في إطار تحسين التشريعات، بل أيضًا من خلال تكثيف الرقابة على الأسواق، وبالتأكيد، منع استغلال المواطن البسيط بشكل غير إنساني.