شرعت إسبانيا في إجراء تغييرات ملحوظة على مناهجها الدراسية في بعض الأقاليم، خاصة في إقليم مورسيا، حيث بدأت مجموعة من المدارس بتبني مواد تعليمية جديدة تعزز من فهم الثقافة المغربية. هذه الخطوة التي تركز على تدريس “اللغة والثقافة العربيتين”، تستند في جزء منها إلى الثقافة المغربية، وبالأخص إلى استحضار حدث “المسيرة الخضراء” التي نظمها المغرب في 6 نونبر 1975، حيث استعادت المملكة سيادتها على الصحراء المغربية التي كانت تحت الاستعمار الإسباني.
وفقًا لصحيفة “لاغاثيتا” الإسبانية، اعتمدت المدارس في إقليم مورسيا، مثل مدرسة “نويسترا سينيورا ديل كارمين دي لوبيغان”، برنامجًا جديدًا يدرج ذكرى المسيرة الخضراء كعيد وطني في المغرب ضمن قائمة الأعياد الوطنية والدينية التي يتم تدريسها للطلاب. بالإضافة إلى ذلك، يتعرف الطلاب على جوانب أخرى من الثقافة المغربية، مثل الحرف اليدوية والفولكلور، مما يساهم في تعزيز التفاهم بين الثقافات ويعكس التوجه نحو تعزيز العلاقات الثقافية بين إسبانيا والمغرب.
وتأتي هذه التغييرات في إطار برنامج ثقافي ولغوي ممول من الحكومة المغربية عبر مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، ويُشرف على تنفيذه معلمون مغاربة، ويجري التنسيق بين السفارة المغربية في إسبانيا ووزارة التربية والتعليم الإسبانية. يهدف هذا البرنامج إلى تعليم الطلاب الإسبان، سواء من أصول مغربية أو غير مغربية، اللغة العربية والثقافة المغربية، مع التركيز على الحفاظ على الهوية الثقافية للمغاربة المقيمين في إسبانيا، بينما يتم احترام ثقافة بلد الاستقبال.
من ناحية أخرى، فإن هذه المبادرة تعكس أيضًا تحولا في المواقف السياسية الإسبانية تجاه قضية الصحراء المغربية. في الوقت الذي يواجه فيه المغرب تحديات دبلوماسية بشأن هذا النزاع، بدأت إسبانيا، وخاصة في إقليم مورسيا الذي يقوده الحزب الشعبي الإسباني، في تبني مواقف أقرب إلى دعم مقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية. تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الإسبانية السابقة، التي ينتمي رئيس وزرائها بيدرو سانشيز إلى الحزب الاشتراكي، لم تكن قد أبدت موقفًا مشابهًا، ما يسلط الضوء على تباين المواقف بين الأحزاب الإسبانية المختلفة.
تعد هذه المبادرة جزءًا من التعاون الثنائي بين إسبانيا والمغرب، الذي لا يقتصر على المجالات الثقافية والتعليمية فحسب، بل يمتد أيضًا إلى مجالات أخرى مثل الاقتصاد والسياسة. إذ أن هذا التعاون يعكس رغبة مشتركة في تعزيز التفاهم بين الشعبين، وبخاصة في ظل التحديات التي تواجه قضية الصحراء المغربية على الساحة الدولية.
قد تكون هذه التغييرات في المناهج الدراسية بمثابة خطوة رمزية مهمة في سياق العلاقات بين البلدين، ولكنها تفتح أيضًا المجال لتساؤلات حول مدى تأثيرها على الرأي العام الإسباني، خاصة في ظل السياقات السياسية المتغيرة في إسبانيا. وإن كانت هذه الخطوة تعكس تغيرًا في المواقف السياسية في إسبانيا، فقد تحمل أيضًا إشارات إلى تحول أوسع في السياسة الخارجية الإسبانية تجاه المغرب في المستقبل.