وضعت قضية المدعو ابراهيم غالي الذي تسلل إلى التراب الاسباني بالاسم المستعار محمد بن بطوش، الأخلاق الانسانية و القيم الأروبية و القانون الدولي، موضع تساؤل و إعادة نظر و مراجعة لخطاب ظل يشكل مرجعية تكاد تكون مقدسة لدى العديد من المجموعات و الكثير من الأفراد و الشخصيات في الشمال كما في الجنوب .
فهل يعقل أن تساير دولة أروبية عضو في الاتحاد الأروبي مؤطرة بقيم و أخلاقيات مثالية دولة من العالم الثالث حيث تعد ممارسة التزوير و المشاركة فيه شكلا مألوفا من أشكال السياسة و تدبير الشأن العام و مخرجا للمآزق و حوادث الطرق ؟ هل يقبل أن تدوس اسبانيا على القيم الغربية التي ظلت دول الشمال تسوقها عبر العالم، و يعتبر التدليس و الخداع من موجبات حرمان المواطنين و الشخصيات العامة من بعض حقوقهم الدستورية، و هي ترتيبا على ذلك من المحرمات التي تقود إلى المساءلات القانونية و قد تفرض على بعضهم في مستويات معينة انزياحات مذلة، كالانسحاب من الرئاسيات أو من الحياة العامة بمجرد انكشاف شيء من ذلك للرأي العام، والأمثلة كثيرة في هذا المضمار، فدومنيك ستراوس مدير صندوق النقد الدولي انسحب من الانتخابات الرئاسية الفرنسية بسبب فضيحة جنسية سنة 2011، و قدمت رئيسة حكومة مدريد الاقليمية بيفوينتس استقالتها بتهمة سرقة مستحضرات تجميل من متجر سوبرماركت و تزوير شهادة ماستر، كما اضطر كذلك رئيس أركان الجيش الاسباني الجنرال ميغيل أنخيل فيلارويا إلى مغادرة منصبه بعدما تبين أنه تجاهل البروتوكول الخاص بتلقي لقاح كوفيد 19 … فكيف نستسيغ من أمم و شعوب ودول تحاسب مواطنيها على هفوات من هذا القبيل و لا تتعامل بالمثل مع واقعة ثابتة و بالحجج الدامغة، هي سابقة تزوير دولة افريقية، هي الجزائر للوثائق الثبوتية لمن تعتبره «رئيسا » لدولة وهمية لا وجود لها سوى فوق تراب تندوف، و بتواطؤ مكشوف مع اسبانيا، فهل القيم الغربية تهم فقط الغربيين، و يمكن التغاضي عنها مع غيرهم و لما تمليها المصالح و الحسابات السياسية، إن الحكومة الاسبانية باقترافها لهذه المخالفة تضع الاتحاد الأروبي برمته في قفص الاتهام و من حق الجميع أن يسائله بشأن قيمه و أخلاقه مادام عوض أن يدين اسبانيا رأيناه بدون حياء يتضامن معها في حادثة أخطر بكثير من تلك التي هزت دولا غربية كالتي أشرنا لبعضها آنفا..
فهل يمكن أن نصل إلى حد إلغاء سمو القضاء في اسبانيا في هذه الواقعة لتسقط أوراق التوت و يتضح للعالم أن القيم الكونية ما هي سوى خدع غربية و كلمة حق يظهر باطلها حين تكون مصالحها في الميزان، فالقضاء الاسباني بعدما شاع أنه استدعى المدعو بن بطوش، تراجع اليوم ليصحح للرأي العام أن الأمر ليس فيه استدعاء بل فقط تأكد من هوية هذا المريض الاستثنائي بأحد مستشفيات البلاد، رغم وجود بلاغات و شكايات لمواطنين اسبان و غير اسبان تتهم المنتحل لشخصية بن بطوش الجزائري بممارسة الاغتصاب و التعذيب و رغم وجود قرارات قضائية سابقة في الموضوع، إن هذه الحادثة طرحت مصداقية خطاب القيم الكونية التي تزعم اسبانيا و معها أروبا أنها حاضنتها موقع تساؤلات مشككة و مهددة لمصداقية الميثاق العالمي لحقوق الانسان الذي بسبب خرقه اهتزت عروش و تحللت دول و عمت الفوضى في مناطق كثيرة من العالم .
إن اسبانيا التي زعمت أنها متمسكة بقرارات هيئة الأمم المتحدة بعد اعتراف ترامب بسيادة المغرب على صحرائه، لم تكن وفية لمباديء الأمم المتحدة و المنظمات غير الحكومية التابعة لها و التي تعتبر أن المساواة بين الناس أمام القضاء و غيره شرط مركزي، فبعد رفع مجموعة من الناس لدعاوى ضد ابراهيم غالي بسبب التعذيب و الاغتصاب و بعد صدور قرار متابعته بمجرد ولوجه التراب الاسباني نرى أن اسبانيا تورطت في تيسر دخوله إلى ترابها بهوية مزورة و تسعى اليوم لاخراجه منها بطرق ملتوية لتفوت الفرصة على ضحاياه للقصاص منه …إن الدولة الايبيرية تثبت للمغرب و للعالم أنها غير محايدة في قضية الوحدة الترابية للمملكة و أنها بالفعل خرجت من المنطقة الرمادية و ردت على طلب وزارة الخارجية المغربية بضرورة توضيح الدول الأروبية لموقفها من الصحراء المغربية، فهل بعد اتضاح الموقف الاسباني سيمر المغرب لاستيضاح الموقف الفرنسي ثانيا و الأروبي أخيرا .