مع بداية عام 2025، بدأت ملامح الاقتصاد العالمي تتبدد من تحت ظلال الركود، وسط إشارات متضاربة بين انحسار نسبي للتضخم في الدول الكبرى واستمرار التوترات الجيوسياسية والمالية. وفي هذا السياق، يجد الاقتصاد المغربي نفسه في موقع حساس، يتأثر بشكل مباشر بتقلبات الأسواق العالمية، لا سيما في ما يتعلق بأسعار الطاقة، وتكلفة التمويل، والطلب الخارجي على الصادرات.
في الاقتصادات المتقدمة، كشفت بيانات الربع الأول من السنة عن تباطؤ نسبي في التضخم، لا سيما في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، نتيجة سياسات رفع أسعار الفائدة التي اعتمدتها البنوك المركزية منذ عامين. هذا التراجع، وإن كان إيجابيًا من حيث استقرار الأسعار، إلا أنه ترافق مع تباطؤ واضح في وتيرة النمو، ما أعاد النقاش حول حدود هذه السياسات وجدواها في دعم الاقتصادات دون خنقها. أما في المغرب، فقد انعكست هذه الدينامية في شكل تراجع نسبي في الضغوط التضخمية، لكن استمرار ارتفاع كلفة القروض، نتيجة تشديد السيولة على الصعيد العالمي، أثّر على الاستثمار الخاص والقدرة الشرائية، خاصة لدى الطبقة الوسطى.
أسعار النفط، التي تذبذبت بشكل ملحوظ بين 82 و91 دولارًا للبرميل خلال الربع الأول، شكلت بدورها عامل ضغط إضافي على الميزان التجاري المغربي. ورغم انتعاش الصادرات الفوسفاطية والغذائية نسبيًا، لا يزال عجز الميزان الطاقي مصدر قلق، في ظل اعتماد المغرب على استيراد نسبة كبيرة من حاجياته من المحروقات. وفي هذا السياق، تُطرح تساؤلات حول نجاعة الاستراتيجية الطاقية الوطنية، ومدى تسريع مشاريع الانتقال نحو الطاقات المتجددة لتقليص الهشاشة الطاقية.
على مستوى البطالة، أظهرت الأسواق العالمية بعض التماسك، لكن ذلك لم ينعكس بشكل مباشر على الاقتصاد المغربي، الذي لا يزال يواجه تحديات حقيقية في مجال التشغيل، خاصة في صفوف الشباب وخريجي التعليم العالي. فضعف الطلب الداخلي، وتباطؤ الاستثمارات الخارجية المباشرة، جعلا من خلق فرص شغل مستدامة أمرًا صعبًا خلال الشهور الأولى من السنة، رغم برامج الدولة في مجال المقاولة الذاتية والتمويل الموجه.
أما من حيث الدين العمومي، فإن استمرار كلفة الاقتراض المرتفعة عالميًا زاد من الضغوط على ميزانية الدولة، التي اضطرت إلى التوفيق بين سداد الديون وتمويل البرامج الاجتماعية، لا سيما في سياق تعميم التغطية الصحية والدعم المباشر للأسر. وهنا تظهر العلاقة العضوية بين الاقتصاد العالمي والمحلي، إذ أن قرارات الفيدرالي الأمريكي أو البنك المركزي الأوروبي تُترجم بشكل مباشر في شروط تمويل الاقتصاد المغربي.
كل هذه المعطيات تؤكد أن المغرب، شأنه شأن باقي الاقتصادات الصاعدة، لا يعيش في عزلة عن التحولات العالمية، بل يتفاعل معها بشكل متسارع. والرهان الأساسي خلال ما تبقى من سنة 2025، لن يكون فقط تفادي الانكماش، بل ترسيخ أسس انتعاش حقيقي يعتمد على تنويع الاقتصاد، تحسين مناخ الأعمال، والاستثمار في القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة.
في النهاية، قد يكون شبح الركود العالمي قد بدأ في التراجع، لكنه لم يختف تمامًا، وما زالت آثاره تسكن تفاصيل يومية في الاقتصادات الهشة. والمغرب، الذي يسعى إلى تعزيز مكانته كمركز إقليمي، يملك من المؤهلات ما يؤهله للاستفادة من الدينامية الجديدة، شريطة تسريع الإصلاحات الهيكلية، وتحقيق توازن دقيق بين الاستقرار المالي والعدالة الاقتصادية.