يعد الفن المغربي أحد أبرز أوجه الثقافة الوطنية التي تجمع بين الأصالة والتجديد، حيث يتنقل بين جذوره العميقة التي تستمد قوتها من التراث العربي والإفريقي والأمازيغي، وبين تطلعاته المعاصرة التي تسعى لمواكبة التحولات الاجتماعية والسياسية. وفي هذا السياق، يبرز تساؤل جوهري حول قدرة الفنانون المغاربة على توصيل رسائلهم إلى المجتمع، وكيف يعكس هذا الفن تطور المجتمع المغربي في مختلف جوانبه.
الفن في المغرب لا يُعتبر مجرد وسيلة للتسلية أو الزخرفة البصرية فحسب، بل يعدّ مرآة حقيقية للواقع الاجتماعي والسياسي. على مرّ العقود، استطاع الفنانون المغاربة أن يعبروا عن التحديات التي يواجهها المجتمع، بدءًا من قضايا الهوية المغربية، مرورًا بالمشكلات الاقتصادية، وصولاً إلى التحولات السياسية التي شهدها المغرب بعد الاستقلال. ومن خلال أعمالهم، برزت القضايا الوطنية بشكل جلي، حيث وظف الفن كأداة لنقد الواقع ودعوة للتغيير.
على الرغم من هذه الأدوار المتعددة التي يقوم بها الفن في المجتمع المغربي، لا يزال التفاعل بين الفنان والمجتمع في بعض الأحيان محدودًا. وقد أشار العديد من الفنانين المغاربة في مقابلاتهم إلى أن المجتمع لا يزال في بعض الأحيان يرفض تناول المواضيع الاجتماعية والسياسية من خلال الفن، في حين يظل آخرون يؤمنون أن الفن قادر على التأثير وإحداث التغيير، خاصة إذا ما تم استغلاله بطريقة استراتيجية.
في حديث مع بعض الفنانين المغاربة، يعبر الفنان التشكيلي يوسف الفاسي عن أن “الفن ليس مجرد أداة تعبير عن الذات، بل هو وسيلة لخلق الحوار بين مختلف فئات المجتمع”. ويؤكد الفاسي أن الفنان يواجه في كثير من الأحيان تحديات تتمثل في ردة فعل المجتمع تجاه أعماله، حيث يرى البعض أن الفن يجب أن يظل بعيدًا عن السياسة، بينما يعتبر آخرون أن الفن يجب أن يعكس الواقع السياسي والاجتماعي بكل تفاصيله.
من جانبه، يرى الفنان والموسيقي المغربي، جمال بنحساين، أن الفن، خاصة الموسيقى، له تأثير كبير على توجيه الرأي العام. فهو يعكس أحلام وآمال المواطنين، ويعبر عن مطالبهم. في هذا الصدد، يشير إلى أن “الأغنية المغربية، رغم تنوع أساليبها، تبقى حاملة لرسائل قوية تؤثر في المجتمع، سواء من خلال إشعال الوعي السياسي أو تحفيز الحراك الاجتماعي”.
لكن يبقى السؤال الأكبر حول مدى تأثير هذه الأعمال الفنية في تغيير الواقع. هل يمكن للفن أن يكون وسيلة فعالة لتوجيه الرأي العام في مجتمع مغربي شهد الكثير من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟ الواقع يشير إلى أن الفن قد لا يكون الوسيلة الوحيدة أو الأولى للتغيير، لكنه بلا شك يعدّ أحد الأدوات التي تساهم في تشكيل الوعي المجتمعي.
في المجمل ، يبدو أن الفنانين المغاربة قد نجحوا في استخدام الفن كوسيلة للتعبير عن هموم المجتمع وتقديم رؤاهم للواقع. إلا أن التفاعل مع هذه الرسائل يظل محدودًا .