في سياق تجديد حضوره السياسي وحرصه على تأطير قواعد حزبه، جدد عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، التأكيد على مركزية المرجعية الإسلامية في المشروع السياسي والفكري للحزب، معتبراً إياها “أفضل ما يوجد فوق هذه الأرض”. جاء ذلك خلال افتتاح الحملة الوطنية التاسعة عشرة لشبيبة الحزب، حيث رسم ابن كيران معالم خطاب يزاوج بين الدعوة الأخلاقية والتوجيه السياسي، مستنهضاً همم الجيل الجديد من المناضلين في ظل سياق سياسي معقد.
في كلمته، لم يكتف ابن كيران بالتنويه بالقيم الإسلامية الكبرى، بل ربطها بسلوكيات يومية ملموسة، مثل حماية البيئة، والرفق بالحيوان، والاستقامة في المواقع والمسؤوليات، ما يعكس سعيه إلى تظهير المرجعية الدينية كإطار عملي وليس مجرد خطاب شعاراتي. هذا الربط بين الدين والممارسة المجتمعية يعيد إلى الواجهة الرؤية الإصلاحية التي طالما تبناها الحزب، لكنها تعرضت لاختبار قاسٍ خلال تجربة تدبيره الحكومي.
اللافت في كلمة ابن كيران، إصراره على أن الحزب ما زال “مرفوع الذكر” بفضل هذه المرجعية، رغم التراجع الانتخابي الكبير الذي عرفه في استحقاقات 2021، ما يطرح سؤالاً حول مدى قدرة الحزب على تحويل هذه المرجعية إلى رأسمال سياسي فعّال في ظل التحولات الاجتماعية والسياسية التي يعرفها المغرب.
من جهة أخرى، لم تغب الدعوة إلى الوعي السياسي عن كلمة ابن كيران، حيث شدد على أن فهم السياقات وتجاوز السطحية شرط أساسي لممارسة سياسية واعية، داعياً شبيبة الحزب إلى التكوين والتفاعل مع خط الحزب وتصوراته. وهي دعوة تعكس إدراك القيادة الحزبية لحجم التحديات التي تواجهها في الحفاظ على التماسك الداخلي وخلق جيل جديد قادر على استيعاب تعقيدات المرحلة.
في العمق، لا تنفصل كلمة ابن كيران عن محاولة إعادة تموقع الحزب في المشهد السياسي المغربي من بوابة المرجعية الأخلاقية والدينية، في وقت تعرف فيه الأحزاب المنافسة انكماشاً في الخطاب القيمي، وانشغالاً متزايداً بالحسابات التقنية والبراغماتية. لكن يبقى السؤال معلقاً: هل تكفي المرجعية وحدها لاستعادة المبادرة، أم أن الحزب مطالب أيضاً بمراجعة أدواته التنظيمية وخطابه السياسي حتى لا يتحول إلى صوت أخلاقي معزول في مشهد لا يرحم الضعفاء؟
بهذا الخطاب، يبدو ابن كيران وفياً لأسلوبه في الجمع بين النصح الأخلاقي والتوجيه السياسي، لكن الأهم هو ما إذا كانت شبيبة الحزب قادرة على تحويل هذا الخطاب إلى دينامية تنظيمية وفكرية، تُخرج الحزب من حالة الترقب إلى فعل سياسي ذي أثر.