يواجه المغرب أزمة حقيقية في قطاع المواشي والأبقار، بعدما كشف وزير الفلاحة أحمد البواري عن تراجع القطيع الوطني بنسبة 38 في المائة، ما يثير تساؤلات عميقة حول مدى نجاعة السياسات الفلاحية التي كلفت البلاد أزيد من 140 مليار درهم منذ 2008.
جفاف أم سوء تدبير؟
يُطرح التساؤل حول ما إذا كان الجفاف المتكرر هو السبب الوحيد وراء هذه الأزمة، أم أن هناك عوامل أخرى، أبرزها سوء تدبير المخططات الفلاحية، وضعف دعم الفلاحين الصغار، واعتماد استراتيجيات لم تخدم سوى كبار الملاكين.
إدريس عدة، الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، أشار إلى أن أزمة القطيع لم تكن مفاجئة، إذ أظهرت التقارير الرسمية منذ سنة 2005 مؤشرات على تدهور الوضع، ومع ذلك، لم تتأقلم السياسات الفلاحية مع الظروف المناخية والجفاف الذي استمر لسبع سنوات.
غلاء الأعلاف وتهميش الفلاح الصغير
ارتفاع أسعار الأعلاف فاقم الوضع، حيث لم يعد الفلاح الصغير قادراً على تحمل تكلفة تربية الماشية، ما دفعه إلى التخلص من القطيع عبر الذبح المفرط، وهو ما انعكس بشكل مباشر على الأعداد المتراجعة للأغنام والأبقار.
من جانبه، أكد حسن مستظرف، الكاتب العام للجامعة المغربية للفلاحة، أن تراجع القطيع استمر تسع سنوات، حيث انخفض العدد من 20 مليون رأس إلى 12 مليون رأس فقط، مشيراً إلى أن الدعم الحكومي لم يكن فعالاً، إذ استفاد منه كبار الفلاحين على حساب الصغار.
سياسات ظرفية وغياب رؤية استراتيجية
عبد الحق البودشيشي، رئيس الجمعية الوطنية لتقنيي تربية المواشي، شدد على أن السياسات المعتمدة افتقدت إلى رؤية بعيدة المدى، إذ تم التركيز على استيراد العجول بدل تطوير السلالات الوطنية، ما أدى إلى تراجع القطيع المحلي بشكل غير مسبوق.
ويرى البودشيشي أن استمرار هذه السياسة قد يؤدي إلى انقراض بعض السلالات المغربية، داعياً إلى إحصاء وطني دقيق للقطيع وإعادة النظر في برامج الدعم لتشمل الفلاحين الصغار، مع وضع مخطط استراتيجي يراعي الظروف المناخية ويهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي.
أزمة تتجاوز القطيع إلى الأمن الغذائي
في ظل هذا التراجع، بات الأمن الغذائي للمغاربة مهدداً، حيث لم يقتصر الأمر على اللحوم الحمراء، بل امتد ليشمل الحليب ومنتجات أخرى، ما يجعل من الضروري عقد مناظرة وطنية لإعادة هيكلة القطاع الفلاحي، وتعزيز الزراعات العلفية، وتقنين الاستيراد، للحفاظ على القطيع الوطني وضمان استدامته.