في سياق سياسي يتّسم بالترقّب وتغيّر الموازين، نشرت مجلة جون أفريك الفرنسية تقريرًا مطوّلًا خصصته لتحليل بروز خمس قيادات نسائية مغربية يقدن تحولًا هادئًا داخل مراكز السلطة، وذلك على بعد أقل من عامين من الانتخابات التشريعية المرتقبة سنة 2026. التقرير، الذي خرج عن القوالب المعتادة في تناول مسألة تمثيلية النساء، قدّم هذه الأسماء بوصفها فاعلات مؤثرات لا مجرد وجوه رمزية، وذهب حد ترشيح إحداهن لقيادة الحكومة المقبلة، في خطوة تعكس تحوّلًا ملموسًا في خريطة القرار السياسي بالمغرب.
الاسم الذي تصدّر هذا المسح السياسي هو فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني، وعمدة مراكش، وقيادية بارزة في حزب الأصالة والمعاصرة. لا تتوقف أهمية المنصوري عند موقعها الحزبي والمؤسساتي، بل في قدرتها على الجمع بين البعد المحلي والوطني، والتوفيق بين انضباط الدولة وصلابة الشخصية. جون أفريك رأت فيها مرشحة واقعية لرئاسة الحكومة في حال تصدر حزبها نتائج انتخابات 2026، وهي فرضية لا تبدو مستبعدة في ظل مكانتها داخل الحزب وقربها من دوائر القرار.
لكن التقرير لا يركّز على المنصوري وحدها. فقد وضع إلى جانبها أربع نساء أخريات من خلفيات سياسية ومهنية متنوعة، ما يضفي على المشهد طابعًا تعدديًا ومركبًا. نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، تمثل بحسب المجلة صورة “شرعية الكفاءة”، وهي القادمة من القطاع الخاص والتي استطاعت في ظرفية اقتصادية صعبة أن تفرض حضورًا متماسكًا داخل الحكومة، وتدير ملفات معقدة بثقة هادئة جعلتها من الوجوه القليلة التي تجمع بين التكنوقراطية والوزن السياسي.
من الجهة المقابلة للمشهد، تُبرز المجلة نبيلة منيب كصوت معارض راديكالي يضفي نوعًا من التوتر الضروري على الممارسة البرلمانية. منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، ليست فقط امرأة معارضة في برلمان يميل للتوافق، بل أيضًا نموذج لسياسية لا تساوم في خطابها، حتى حين تكون وحيدة في مواجهة تكتلات حزبية كبرى. وجودها يمنح للحضور النسائي بُعدًا نقديًا ويؤكد أن الكفاءة النسائية لا تقتصر على التدبير، بل تشمل المواجهة والجرأة.
الوجهان الآخران في هذا البورتريه السياسي هما نائلة التازي، رئيسة لجنة الخارجية بمجلس المستشارين، وبشرى ريجاني، الناشطة في مجالات الدبلوماسية الثقافية والمواطنة. كلاهما تمثلان امتدادًا لفكرة “القوة الناعمة”، حيث تجمع التازي بين خبرة ثقافية ومؤسساتية، بينما تنشط ريجاني في مجالات الترافع المدني، ما يكشف عن تحولات في فهم السياسة تتجاوز البنى الحزبية التقليدية وتفتح المجال أمام مقاربات جديدة للسلطة.
الجامع بين هذه الأسماء ليس الانتماء الإيديولوجي أو الانخراط في مشروع موحد، بل القدرة على فرض الذات داخل فضاء سياسي لا يزال يحمل الكثير من رواسب الهيمنة الذكورية. حضورهن لا يبدو عابرًا أو ناتجًا عن “كوطا” شكلية، بل نتيجة مسارات نضج سياسي ومهني فرضت نفسها على المؤسسات، ووجدت صداها في الخطاب العمومي.
التقرير يطرح بذلك سؤالًا أعمق من مجرد رصد أسماء: هل نحن أمام بداية تحول بنيوي في منظومة الحكم بالمغرب، تُفتح فيه الأبواب أمام قيادة نسائية فعلية، لا شكلية؟ أم أن هذا الحضور سيظل حبيس شروط ظرفية يحدّد سقفه توازن المصالح داخل الدولة والأحزاب؟
ما تقترحه جون أفريك، بشكل غير مباشر، هو أن المرأة المغربية لم تعد ضيفًا على السياسة، بل شريكًا في صياغة اختياراتها الكبرى. وإن صحّ هذا المسار، فإن انتخابات 2026 قد تكون منعطفًا نوعيًا، لا في نتائجها فقط، بل في الرموز التي ستقود ما بعدها.