الحدث بريس:أمين رفيق
في الأيام القليلة الأخيرة تفضلت الصحيفة اليومية: “أوجوردوي لوماروك” بإخبارنا بوجود “تيار” داخل حزب التقدم والاشتراكية يتشكل من أعضاء في اللجنة المركزية للحزب يرفضون فكرة الولاية الثالثة للأمين العام الحالي، وقدمت لقرائها المنسق الوطني لهذا التيار، مستعرضة تصريحاته.
كل هذا ليس مهما أو خطيرا، وربما كان سيكون عاديا ومن صميم العمل الصحفي، لكن فقط لو كان التيار تيارا والكلام يمتلك المعنى، ولو كان ترشيح الأمين العام حدث فعلا ونوقش داخل الحزب، ووقع القبول والرفض بخصوصه.
الإعلان عن تيار داخل أي حزب وفي كل الدنيا يجري داخل الحزب نفسه، ويعكس التفافا حول تصوراته وأهدافه ومتزعميه من داخل الهياكل الحزبية الوطنية والجهوية والمحلية والموازية، أما أن تنعقد اجتماعات الهيئات القيادية الوطنية للحزب وتصادق على مقرراتها بالإجماع ويكون من ضمن الحاضرين والمشاركين فيها من يتحدث اليوم عن زعامة تيار ولا ينبس ببنت شفة، وتجري مؤتمرات الفروع والقطاعات في مختلف جهات البلاد دون أن يذكر أحد هذا التيار، فمعنى كل هذا أننا أمام… الوهم!
حزب التقدم والاشتراكية من دون شك لديه مشاكله مثل باقي الهيئات السياسية الوطنية، ولكن الجميع تابع كيف أعد لمؤتمره الوطني العاشر، المرتقب بعد شهرين، ضمن أجواء رفاقية عادية، وكيف كانت مختلف المراحل التحضيرية مفتوحة أمام الصحفيين، وكيف جرت المصادقة على كل الوثائق بالإجماع بعد مناقشات مستفيضة وعميقة وجادة.
في كامل هذا المسار التحضيري لم يعبر من يزعم اليوم أنه تيار سوى عن… الانتفاء، أي اللاوجود.
الزعيم رغما عنه كشف في سطور “أوجوردوي لوماروك” عن أنانية باتولوجية هي الشيء الوحيد الذي يملكه، وهي تبدو، من خلال الكلمات المنشورة، منتفخة، وتلفها أورام، من المؤسف أن صاحبنا لا يحس بها ورما، ولكنه يحسبها شحما، على حد قول أبي الطيب المتنبي.
التورمات المشار إليها عندما تتفاقم تقود إلى العمى في السياسة وفي الحياة، وهي عندما تلف عنق المصاب بها تجعله لا ينتبه إلى كونه غير موجود في الواقع ولا أحد يراه.
أي أنه هو والانتفاء سيان…
المناضلات والمناضلون في الحزب تعرفوا الآن على القائد القادم وتفضلت عليهم: “أوجوردوي لوماروك” بنشر تصريحاته ومطالبه، وبفضله انتبهوا إلى أن الدورة الأخيرة للجنة المركزية لحزبهم يجب أن تلغى لكون الزعيم يعتبرها غير شرعية، وعرفوا أن تقارير اللجان التحضيرية الموضوعاتية أيضا يجب إلغاؤها، وكشف لهم سيادته أن الفروع المحلية والإقليمية والتنظيمات الموازية جامدة كلها، وأن ما يقام منذ مدة من جموع عامة ومؤتمرات هي متخيلة فقط…
وحيث أن الرفاق يحضرون كامل هذه الدينامية التنظيمية والإشعاعية المسجلة داخل هياكل الحزب، فهم يقابلون كلام الزعيم القادم بالضحك ولي الشفاه شفقة…
هم جميعهم يدركون أنها محاولة فاشلة أخرى لخلق الإرباك، هي بمثابة السعي لتوهم الوجود، ولو من خلال صحيفة قبلت فعل الاحتضان…
لقد عرف الرفاق الآن زعيم “القادمين”، لكنهم يطلبون الصحيفة التي نشرت كلامه أن تدلهم على التيار المزعوم.
في الصحيفة بدا الزعيم يبحث عمن يوفر له حيزا للكلام، أو من يمنحه هواء ليصيح في الناس بأنه فعلا يمتلك تيارا..
بدا حانقا وغاضبا وناقما ومحبطا ويائسا، ولما بحث في جيوبه كلها عن وسيلة إقناع بالوجود، لم يجد سوى التحليق بعيدا ليزعم أنه الامتداد لقادة آخرين مروا في أزمنة سابقة، وأن معاليه قرر اليوم مأسسة هذا الامتداد والإعلان عنه، لكن على أعمدة الصحف فقط.
صاحبنا يتوهم أنه موجود والآخرون هم العدم…
صاحبنا عندما يراه الجميع صامتا مختبئا ويخرج من الاجتماعات هاربا نحو مواقع التواصل الاجتماعي ليعلن من هناك عن تياره الوهمي وعن أنانيته المنتفخة، هو يعتقد أنه يراوغهم ويقفز على معاني الأشياء، لكنه لا يعي أنه بلا أي وجود أصلا.
الحزب سيمضي، سيمضي إلى ما يريده مناضلاته ومناضلوه…