الحدث بريس – الفضيل العيرج
ما أثار انتباهي هو كثرة حديث الناس بصفة عامة عن الحجر وعن حالة الطوارئ وكأننا في حالة حرب، واستعمال مفرط لمصطلحات مستعارة من قاموس الحرب مثل إغلاق المجالات الحيوية وتقنين أوقات الخروج والتنقل بصفة عامة، بل وتقليص حدود العلاقات الاجتماعية إلى حدودها القصوى ..فأصبحنا نواجه ما يمكن تسميته نوع من التحفظ، بديكتاتورية الدولة على غرار ديكتاتورية لبروليتاريا ووجه المقارنة سببه القبول الطوعي لهذه الإجراءات، وهو ما دفعنا إلى التساؤل عن إشكالية العلاقة بين الحرية كصفة جوهرية لماهية الإنسان وعلاقتها بالخوف من النهاية أو بشكل أدق الخوف من الموت. هل الخوف من الموت يجعل الإنسان يضحي بأهم شيء لوجوده وهو الحرية؟ هل يمكن للإنسان أن يعيش ككائن خبزي؟ هذه التساؤلات تدفعنا إلى التفكير في السياسات العمومية، إذا لاحظنا مثلا أنه في فترة الأزمات. فان أول ما يفكر فيه الإنسان هو بطنه، والتهافت على محلات بيع المواد الغذائية، كما أن الاضطرابات الاجتماعية أو تهدئتها لها ارتباط بإشكالية التموين ..وهذا ما بين لنا بالملموس إهمال الجانب الثقافي في كل تجلياته، سواء على مستوى وسائل التواصل أو في وسائل الإعلام أو تغييب الصحافة الورقية.
ما يدفعنا إلى التساؤل عن جوهر الحياة بالنسبة للإنسان هو هل نختصر حياتنا ووجودنا في جانبنا البيولوجي فقط ؟ وفي هذه الحالة ما الفرق بين الإنسان والكائنات الأخرى؟ أم أن مايميز الإنسان هو قدرته على تحويل الوجود الطبيعي الى وجود ثقافي؟ وبالتالي ماهو هذا الوجود الثقافي الذي يميز الإنسان عن غيره، هل هو فقط أساليب اللباس وتقنين أشكال العيش أم هو أساليب التعبير والإبداع في كل تجلياته ؟
هذه التساؤلات تحتم علينا تحديد مجموعة من المنطلقات منها ماذا نقصد بالحياة، وما علاقتها بالزمان، وما الفرق بين الحياة البيولوجية والحياة النفسية أو الروحية، وما موقعهما من الحياة الاجتماعية، وهل يمكن أن نتحدث عن حياة عقلية خالصة ؟
هناك ارتباط قوي بين الحياة والزمان فكل منهما يشكل مادة للآخر، جوهر الحياة هو الزمان وعندما تنعدم الحياة ينعدم الزمان بالنسبة للإنسان، لأنه يدرك وجوده كصيرورة زمنية وبالتالي حديثه عن ماضي وحاضر ومستقبل، بل عن أصناف الزمن فصول و سنوات..ولهذا يميز بين زمان فيزيائي يرتبط بحركة الفلك وبين زمن بيولوجي يحيل إلى عمليات النمو الفيزيولوجية، كما أن للإنسان شعور بزمانه الباطني والذي يتجلى في مختلف عمليات الشعور سواء ارتبطت بالوعي أوا للاوعي كالأحلام ..وهناك زمان اجتماعي يرتبط بضغط البنيات الاجتماعية أو ما يسمى بالإكراه الاجتماعي، وله تأثير قوي على مفهوم الزمان لدى الإنسان وعلى معنى الحياة نفسه، ومن ثم ضرورة تقسيم الزمان إلى وحدات كالدقائق والساعات وأوقات العمل وأوقات الراحة.
إذا كان زمانك البيولوجي خاضع للحتمية الطبيعية، فان قدرتك على التأثير فيه ترتبط بمدى تقدم العلم الطبيعي، سواء تجويد أساليب العيش أو تحسين النوع من حيث الشكل ومن حيث الصفات. لهذا فان الزمان الروحي خاص بالذات سواء تعلق بأذواقك أو تقديرك للأشياء أو أحاسيسك ..في حين يكون الزمان الاجتماعي مفروضا من الخارج وترتبط فعاليته وتأثيره في الفرد بتحويل الضغط الخارجي إلى ضغط داخلي من خلال التأثير في الشعور وتربية الإحساس بالمسؤولية والشعور بالضمير ومن هنا يتم تعلم الأدوار الاجتماعية والتي ترتبط غالبا بنماذج من الأدوار الاجتماعية. ومن ثم ترتبط هذه الأخيرة بمراحل الحياة وحسب الوظيفة الاجتماعية للفرد.
لكورونا تأثير وارتباط بالزمن والحياة سواء في الجانب النفسي أو الاجتماعي، على اعتبار أن الحياة البيولوجية ترتبط بتدبير عمومي يختزل الإنسان في وجوده البيولوجي، أما الوجود الروحي فكان له وقع كبير سواء من حيث شعور بعض الأفراد بلا جدوى الحياة، حالات الانتحار مثلا، أو الإضرابات النفسية وتأثيرها على توازن الأفراد خاصة الأطفال وحاجتهم للعب، أو من زاوية أخرى تأثير ايجابي من حيث تقريب المسافة ما بين مكونات الأسرة، بين الأطفال والأباء، بين الزوج والزوجة، أو أحيانا الرفع من وتيرة الاحتكاكات الأسرية كالعنف الأسري بل والاجتماعي كإشكال العنف المتبادل في الأزقة ما بين الجيران.. حيث لاحظنا ظهور مجموعة من المراكز والمنتديات التي تطوعت لتقديم خدماتها للأفراد الذين يشعرون بمعاناتهم من مثل هذه الظواهر.
كما أن زمن كورونا أثر في الزمان الباطني للفرد من حيث تعوده على البقاء في نفس المكان وهو ما جعله يتعود على الحرمان من الحركة وبالتالي تقبل الحرمان من الحرية وتقبل السجن أو الاحتجاز عن طواعية، وهذا ربما يعود الناس على عدم الخوف من السجن.
أم بالنسبة للزمن الاجتماعي فهناك زمن الخروج وزمن البقاء في البيت والذي ارتبط بشعار (بقا في دارك حسن لك)، حيث تفننت وسائل الإعلام باستعمال تارة أساليب الترهيب ( السجن الغرامة) وتارة الترغيب المبطن بالتهديد ( الله يرحم الوالدين، فكر في أفراد أسرتك ستكون أنت سبب إصابتهم وهلاكهم..) بل أكثر من ذلك لاحظنا وسائط التواصل الاجتماعي تتنافس في التشهير بكل من يتجرأ على اختراق زمن الحجر، ولم نرى لدى أي جهة حديثا عن الحرية أو عن حاجة الإنسان للحركة والتنفيس عن النفس، اذ أصبح كل خارج من بيته متهما وتمت المبالغة في أشكال العدوى رغم تحرك الفرد وحيدا في الأزقة..هذه التصرفات تبين انه من الممكن أن نتحكم في الأفراد باستعمال حاجاتهم الباطنية، مثلا كثرة الاحتجاجات على عدم الاستفادة من الدعم في مقابل انعدام مطلق لأي احتجاج على حرية التحرك في الهواء الطلق بل أصبح كل مغرد في هذا الصدد مشتبها به سواء من طرف السلطة أو من طرف أفراد المجتمع نفسه.
ارتباط زمن كورونا بزمان حياتنا جعلنا نتغاضى عن كل ممارسة مناهضة لأهم حقوق الإنسان وهو الحرية وجعلنا نتقبل تجاوزات مبالغ فيها من أطراف كثيرة في السلطة، وأدى إلى التراجع إلى الخلف لكل من كان يقدم نفسه كمدافع عن الحقوق الأساسية للإنسان ..ومن ثم يتبين لنا انه في العالم الثالث هناك مؤسسات لا تتحرك إلا بالتحكم عن بعد سواء داخليا أو خارجيا.