لم يكن إختيار “مؤسسة منتدى أصيلة “أن تخصص حيزا معتبرا من الزمن الثقافي لموسم أصيلة الثقافي الدولي لفن الحفر و الطباعة الفنية مفصولا عن رهانات مبدئية لديها منذ الدورات الأولى للموسم، قبل خمس و أربعين سنة، مرام يمكن إختصارها في تطلع أساس، هو جعل اللوحة في متناول أكبر قدر من المتلقين، و بناء قاعدة شغف بالفنون و دمقرطتها.
فغاية الحفر و الطباعة الفنية الإنتقال من الإنجاز الفني المفرد إلى النسخ المتعددة التي تستوفي كل مقومات الإبداع البصري، دون أن تكون مكلفة مثل اللوحة الصباغية و غيرها من صيغ التشكيل، فيسهل إمتلاكها من قبل أكبر قاعدة من المولعين بتجميع الأعمال الفنية.
برواق مركز الحسن الثاني الدولي للمتلقيات، معرض يضم أزيد من 200 عمل فني بتقنية الحفر و الطباعة تشكل مجموعة منتقاة من الأعمال التي تم إبداعها على مدى 45 سنة من عمر مشغل الحفر و الطباعة، الذي كان ينظم سنويا ضمن فعاليات الموسم الثقافي الدولي بمشاركة رواد عالميين و مغاربة لهذا الفن.
و أبرز الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، محمد بن عيسى، أن برنامج هذه الدورة من موسم أصيلة الثقافي الدولي يسترجع ذاكرة هذا المشغل الخصيبة ومساره الحافل، موضحا أنه تم انتقاء حوالي 200 عمل من بين أكثر من 5000 آلاف عمل ضمن المجموعة الخاصة للمنتدى و التي تم إنجازها على مدى أربعة عقود و نصف من عمل المشغل.
و ذكر الأمين العام للمؤسسة، بأن منتدى أصيلة، سعت منذ بداية الموسم سنة 1978 إلى إحداث أحد المشاغل الأولى في المغرب، و ربما الأول على الإطلاق، المتخصصة في الحفر و الليتوغرافيا و السيريغرافيا و تدريب عدد كبير من الفنانين المغاربة من أجيال مختلفة على مهاراته، و ذلك بتأطير من فنانين رواد من المغرب و البلدان العربية، و من الهند و اليابان و الولايات المتحدة، و أمريكا اللاتينية، و من دول إفريقية شتى.
بالفعل، فقد توافدت على مدى الدورات أسماء لامعة في سماء الحفر و الليتوغرافيا على المشغل، باحثة عن الإلهام أو مقبلة بجود و كرم على تقاسم الخبرات و المعارف، من قبيل روبير بلاكبورن و رومان أرتيموفسكي و رافع الناصري و عمر خليل، و دايفيد دي ألميدا و شو طاكاهاشي، و آخرين، و الذي شكلوا جزءا من تراث المشغل الرمزي.
و يمكن هذا المعرض، الذي إفتتح مساء السبت بحضور مسؤولين و شخصيات من عالم الفن و الثقافة و الفكر، من إستعراض حصيلة مشغل الحفر و الطباعة الفنية من الأعمال، و تعريف الأجيال الجديدة بها.
و أكد الأمين العام المساعد لمنتدى أصيلة، توفيق لوزاري، أن المعرض يتوج 45 سنة من عمر مشغل الحفر و الطباعة الفنية، حيث يعرض أعمالا تمثل كل الحقب و السنوات التي مر منها الموسم، معتبرا أن الأعمال المعروضة هي ضمن مجموعة كبيرة تغني الخزانة الوطنية من الأعمال الإبداعية من مختلف بقاع العالم، من آسيا و أمريكا الجنوبية و أوروبا و إفريقيا و العالم العربي و المغرب أيضا.
و أشار، في تصريح للصحافة، إلى أن إنتقاء هذه المجموعة المختارة للعرض تطلب “عملا كبير و مجهودا جبارا، أولا خلال عملية الإنتقاء و ثانيا خلال عملية التأهيل لكي تكون في حلة جديدة ليستمتع بها الزائر و سكان أصيلة”.
نظرة على الأعمال المعروضة، تبرز تقاطعات و إختلافات الأعمال بإختلاف تقنيات و خيال المبدعين، بل و أيضا قدرتهم على تطويع المعادن و حفرها لتعطي في الأخير عملا في الحفر و الطباعة الفنية.
و قال يوسف الكهفي، الفنان التشكيلي المغربي المختص في الحفر و المسؤول عن إنتقاء الأعمال المعروضة، أن “المعرض يضم بالكاد حوالي 5 في المائة من المجموعة الخاصة لموسم أصيلة في هذه التقنية”، موضحا أن معرض الحفر يجسد إبداعات مجموعة من الفنانين من مدارس مختلفة، قدموا من العالم ليشتغلوا بأصيلة حيث أقيم أول محترف لفن الحفر و الصورة المطبوعة بالمغرب”.
و تابع، في تصريح مماثل، أن المجموعة كاملة “خضعت لدراسة علمية و تقنية لإخراج المعرض إلى الوجود”، موضحا أن من بين معايير الإختيار “نوعية العمل من جهة، و قيمة الفنانين المشاركين من جهة أخرى، لاسيما و أن من بينهم فنانون دوليون أثروا في الفن المعاصر، و أسماء وازنة من المغرب”.
من بين الأسماء المغربية المشاركة في المعرض، الفنانة سناء السرغيني التي لم تخف إعتزازها الكبير بكون عملها يوجد ضمن المجموعة الحصرية المعروضة التي تضم عددا من الأسماء العالمية، مضيفة “كنا من المحظوظين بالمشاركة في ورشات و مشاغل الحفر بموسم أصيلة، تدربنا على تقنيات جديدة على يد فنانين عالميين، كما نهلوا هم أيضا من فضاءات مدينة أصيلة و تجهيزات مشاغلها، كان هناك أخذ و عطاء”.
الأخذ و العطاء، هو الوازع الذي كان يحرك القائمين على شؤون موسم أصيلة للحرص على برمجة مشغل الحفر و الطباعة الفنية كل سنة، بإستضافة زوار كل دورة، مع تفرد هذه الدورة بتكريم خاص لمليكة أكزناي، التي تعتبر من رواد فن الحفر و الطباعة بالمغرب، و الياباني ذائع الصيت أكيمي نوكوشي، و ذلك من خلال تخصيص رواق خاص بهما من المعرض، إلى جانب تنظيم ندوة تجمع أكاديميين و نقاد و فنانين للحديث عن الذاكرة و المسار، و كذا عن أصول و قواعد فن الحفر و الإحتفاء بهما.