في تصريح مثير يعيد إلى الواجهة الجدل القديم الجديد حول سياسات تحرير أسعار المحروقات، كشف الحسين اليماني، رئيس جبهة إنقاذ المصفاة المغربية “سامير”، أن أرباح شركات توزيع المحروقات في المغرب بلغت أرقاماً غير مسبوقة تجاوزت 80 مليار درهم، وسط استمرار الأسعار في مستويات مرتفعة تثقل كاهل المواطنين.
اليماني حمّل حكومة عبد الإله بنكيران مسؤولية قرار تحرير الأسعار أواخر 2015، معتبراً أن هذا القرار شكّل نقطة تحوّل في مسار سوق المحروقات المغربية، إذ سمح بتحقيق أرباح ضخمة لشركات التوزيع، دون وجود آليات حقيقية لضبط السوق أو حماية القدرة الشرائية للمواطنين. واستشهد اليماني بأرقام دقيقة، مشيراً إلى أنه في حال تراجعت حكومة عزيز أخنوش عن قرار التحرير، فإن سعر لتر الغازوال يمكن أن ينخفض إلى 8.89 دراهم، وسعر البنزين إلى 10.52 دراهم، خلال النصف الثاني من ماي الجاري، استناداً إلى معطيات السوق الدولية.
وأوضح المتحدث أن هوامش أرباح موزعي المحروقات تضاعفت بشكل لافت، حيث قفزت من نحو 600 درهم للطن الواحد من الغازوال إلى أكثر من 2000 درهم، ومن 700 درهم للبنزين إلى ما يفوق 3000 درهم. هذه الهوامش تكشف، بحسب اليماني، عن تضخم غير مبرر في أرباح الشركات، مما يدفع بأسعار البيع للمستهلك نحو مستويات تفوق بكثير التكاليف الحقيقية.
وفق تحليل اليماني، فإن أسعار المحروقات عند دخولها إلى الموانئ المغربية لا تتعدى 5 دراهم للتر، فيما تساهم الضرائب في رفع السعر بنحو 3.5 دراهم للغازوال و4.7 دراهم للبنزين. أما الفارق المتبقي، فهو عبارة عن أرباح ومصاريف التوزيع، ما يطرح تساؤلات جدية حول عدالة بنية التسعير وغياب الشفافية.
وانتقد اليماني مبررات الحكومة بشأن تحويل دعم صندوق المقاصة إلى قطاعات كالتعليم والصحة، معتبراً أن هذه الشعارات لم تترجم إلى تحسن ملموس في الخدمات العمومية، بل تترافق مع موجات غلاء واسعة أثرت سلباً على معيشة المواطن، خصوصاً في ظل تدني الأجور وهشاشة القدرة الشرائية.
من خلال تصريحه، دعا اليماني إلى نقاش مجتمعي صريح حول آثار تحرير أسعار المحروقات، محذراً من تعميم هذا النموذج على مواد أساسية أخرى كغاز البوطان والسكر والدقيق. كما شدد على أهمية استحضار خصوصية الوضع الاجتماعي في المغرب، حيث لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور خمس نظيره في الدول الأوروبية.
في ختام تصريحه، وجّه اليماني نداءً لإحياء شعار “الدولة الاجتماعية”، داعياً الدولة إلى استعادة دورها في ضبط الأسعار وتوجيه الاقتصاد بما يخدم المصلحة العامة. وأعاد التأكيد على أهمية إعادة تشغيل مصفاة “سامير”، باعتبارها ركيزة استراتيجية في تحقيق الأمن الطاقي الوطني، والحد من تقلبات الأسعار، وخلق قيمة مضافة اقتصادية واجتماعية.
تسلّط تصريحات اليماني الضوء على تعقيدات سوق المحروقات المغربي، وتطرح إشكاليات عميقة حول التوازن بين الربح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. وبين أرقام الأرباح القياسية، وتدهور القدرة الشرائية، تتعاظم الحاجة إلى مراجعة جريئة للسياسات الطاقية، وإلى حوار وطني يُعيد الاعتبار لمفهوم الخدمة العمومية في سياق اقتصاد السوق.