تُعَدُّ قضية الدين العام من أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجهها العديد من الدول النامية، حيث يؤثر تراكم الديون على استقرار اقتصاداتها ويحد من قدرتها على تحقيق التنمية المستدامة. وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تجاوزت مدفوعات خدمة الدين العام الخارجي في الدول النامية 12.5% من عائدات التصدير في عام 2023، مع تجاوز النسبة 20% في 24 دولة.
تعود أسباب زيادة الدين العام في الدول النامية إلى عدة عوامل، أبرزها ارتفاع تكاليف الاقتراض. تواجه هذه الدول معدلات فائدة أعلى مقارنة بالدول المتقدمة؛ حيث تقترض بأسعار فائدة أعلى بنحو 2-4 مرات من الولايات المتحدة و6-12 مرة من ألمانيا، مما يجعل سداد الديون أكثر صعوبة ويحد من قدرتها على الاستثمار في القطاعات الحيوية.
لمواجهة تحديات الدين العام، يمكن اتباع عدة استراتيجيات. تشمل إعادة هيكلة الديون تعديل شروط سدادها، مثل تمديد فترات السداد أو خفض قيمتها الاسمية، مما يساعد في تخفيف العبء المالي وتمكين الدول من تخصيص مواردها بشكل أكثر فعالية. كما يتطلب تحسين إدارة المالية العامة تعزيز الشفافية المالية، وضع ميزانيات متوازنة، ومراقبة فعّالة للنفقات والإيرادات، مما يسهم في بناء ثقة المستثمرين وتقليل تكاليف الاقتراض. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز النمو الاقتصادي من خلال الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، دعم الابتكار، وتطوير البنية التحتية، مما يزيد الإيرادات الحكومية ويقلل الحاجة إلى الاقتراض. وأخيرًا، يعد التعاون الدولي أمرًا حيويًا لإيجاد حلول مستدامة لأزمة الديون، بما في ذلك التفاوض على شروط أفضل للقروض وتلقي الدعم الفني والمالي من المؤسسات الدولية.
تشكّل أزمة الدين العام تحديًا معقدًا يتطلب تنسيقًا بين السياسات المالية المحلية والتعاون الدولي. من خلال تبني استراتيجيات شاملة لإعادة هيكلة الديون وتحسين إدارة المالية العامة، يمكن للدول النامية تجاوز هذه الأزمة وتحقيق نمو اقتصادي مستدام يعود بالنفع على شعوبها.