إن في سافلة مركز مدينة تنغير حي يسمى “أقدار”، وهو واحد من أقدم أحياء المدينة، وكان معروفاً، منذ القِدم، بمحلات صناع الفخار، ومصلحي الأواني النحاسية الذين يسمَّون بالأمازيغية “إقْدَّارْنْ”، وهي جمع “أقدَّار”، أي صانع الفخار، ثم طرأت عليه تغييرات بعدما توافدت عليه العاهرات أيام الاستعمار الفرنسي للمنطقة، حسب ما ترويه الروايات الشفوية، وبدأن يكترين غرفه، ثم اشترين الشقق والمنازل فيه، حتى صار حياً خاصاً بالدعارة الرخيصة، إذ تكفيك عشرون درهماً لتشتري متعة جنسية عابرة. وقد تحدثتُ كثيرة، في مجموعة قصصية بطلتها عاهرة اسمها “عبوش”، عن قصة هذا الحي قبل إغلاقه بقرار من وزارة الداخلية، قبل ما يزيد عن 7 سنوات.
بعد عملية الإغلاق هذه، رحلت العاهرات منه؛ فمنهن من هاجرن المدينة نحو مدنهن الأصلية، أو نحو مراكش، وأكادير، وغيرهما من المدن السياحية المعروفة، ومنهن من رحلن إلى المدن القريبة من تنغير، حيث اكترين في دور دعارة جماعية شبيهة بحيهن المُغلَق، ومنهن من ظللن في المدينة، وانتشرن في أحيائها.
بعد إغلاق أقدار، صار مرتعاً لليافعين، يختبئون بين أزقته، وفي شققه المهجورة، لينتشوا بالدليو والسليسيون، باعتبارهما أرخص ما يمكن أن “يتبوَّقُوا” به، في غياب تام لأي دور للسلطات المحلية، والسلطات المنتخبة؛ فالأولى منشغلة بفرض الكمامة، مع ٠ائحة كورونا، صارمة في تطبيق إجراءات حالة الطوارئ، واحترام البروتوكول الصحي المقرر في المملكة، والثانية غارقة في الصراعات الاديولوجية والانتخابية. وتبقى تنمية مدينة تنغير،ومستقبل شبابها ونسائها خصوصا، ضحية كل هذا.
صار أقدار أشبه بمدرسة سيتخرج منها في المستقبل القريب مجرمون، وقاطعو طريق، وستكون نساء المدينة أولى ضحاياهم، باعتبار هذا الحي مجاوراً لما يُعرَف بزنقة العيالات، وهي سوق تضم عشرات المحلات التجارية النسوية، تبيع الحلي والملابس، وأدوات التجميل، وكل ما يتعلق بالنساء، كما يمكن ان تكون هذه المحلات هدفاً لهؤلاء اليافعين الضائعين، الذين قد يصيرون لصوصاً إن استمر الوضع على ما هو عليه
صار أقدار أيضاً مكباً للنفايات، وصارت شققه مراحيض للعابرين، ومخابئ لأصحاب “البلية”، ونقطاً سوداء لبائعي المخدرات، كما أفادني بعض التجار هناك.
وكان المسؤولون الإداريون والمنتخبون عن المدينة، وشركاؤهم قد أعلنوا عن مشروع لتأهيل مركز مدينة تنغير، بما في ذلك هذا الحي الشعبي القديم، إذ كان منتظراً أن يتحول إلى مركب تجاري، ويُربَط بباقي مناطق المركز التي كان معزولا عنها لسمعته الأخلاقية، غير أن “المشروع توقف في المركز، أي الرباط”، حسب ما أفادني به مسؤول سياسي، واعتبر ذلك “نوعاً من البلوكاغ غير المفهوم لتنمية هذه الرقعة من الوطن”، يضيف ذات المصدر.
غير أن السؤال الذي لم أجد له جوابا بعد، باعتباري من أبناء المنطقة، المهتمين برؤيتها نامية كغيره من مناطق بلادنا، هو: لماذا توقف هذا المشروع التنموي؟ ومن المستفيد من عرقلته، إن كان هناك عرقلة؟ أهناك دوافع سياسية، أم هو محض مشاكل بيروقراطية خالصة؟
وما تزال في جعبتي أسئلة أخرى عن الأضرار الاجتماعية التي خلفها هذا المشكل، أعود إليها في وقت لاحق.