أعادت التصريحات المتضاربة لمستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مسعد بولس، الجدل حول موقف واشنطن من السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية. فقد بدا واضحاً أن التصريح الأولي، الذي أدلى به بولس لقناة “العربية”، لم يكن فقط غير موفق، بل فتح الباب أمام تأويلات استثمرها خصوم المغرب سياسياً وإعلامياً، قبل أن يتدارك الرجل خطأه ويعود ليؤكد ثبات موقف الولايات المتحدة، كما عبر عنه وزير الخارجية ماركو روبيو، في تغريدة لا تحتمل التأويل.
ما حدث يعكس، من جهة، أن ملف الصحراء لم يعد شأناً إقليمياً يُدار في الكواليس، بل صار قضية ذات حساسية دبلوماسية عالية، يتابعها الرأي العام الدولي والفاعلون المحليون بدقة. ومن جهة أخرى، تكشف الواقعة حدود استيعاب بعض مستشاري الرؤساء، خاصة أولئك القادمين من خلفيات غير دبلوماسية، لتعقيدات الملف وتوازناته الدقيقة، وهو ما بدا جلياً في التصريحات المرتبكة التي خرج بها بولس، ثم تراجعه عنها بطريقة غير مألوفة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ورغم هذا الارتباك الظاهري، فإن الثابت في كل هذه التطورات هو موقف الخارجية الأميركية، الذي لم يطرأ عليه أي تغيير جوهري منذ إعلان ترامب سنة 2020 عن اعتراف بلاده بسيادة المغرب على الصحراء، واعتبار مقترح الحكم الذاتي حلاً جدياً وواقعياً وذا مصداقية. تغريدة ماركو روبيو، التي عاد بولس بنفسه لمشاركتها مع وصفها بـ”البيان القاطع”، أعادت الأمور إلى نصابها، ووجهت رسالة ضمنية إلى من يحاول الاصطياد في الماء العكر بأن المؤسسات في الولايات المتحدة، بخلاف الأفراد، تتحرك ضمن رؤية استراتيجية أكثر اتساقاً.
المغرب من جهته، تعامل مع هذا اللغط بتبصّر كبير، ولم ينجرف إلى أي رد فعل متسرّع. وهذا يعكس النضج الذي راكمته الدبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة، سواء من حيث إدارتها للملف داخل أروقة الأمم المتحدة، أو في علاقاتها الثنائية مع القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة. بل إن هذا الحادث – في جوهره – يعزز أطروحة الرباط أكثر مما يضعفها، لأنه أظهر كيف أن أي تصريح مخالف للحقيقة، ولو صدر من مستشار رئاسي، لا يصمد أمام الموقف الرسمي الواضح والمُعلن.
وبين تصريح متسرّع وتغريدة مصححة، يبقى جوهر المسألة في مكان آخر: إن ما أزعج خصوم المغرب فعلياً لم يكن مجرد جملة مبهمة، بل إحساسهم العميق بأن قضية الصحراء تتجه نحو الحسم، وأن مبادرة الحكم الذاتي لم تعد فقط مقترحاً مطروحاً، بل قاعدة صلبة للتفاوض الجاد، كما يعبّر عن ذلك باستمرار الخطاب الأميركي الرسمي.
وفي هذا السياق، فإن على من يحاول خلق الضباب حول الموقف الأميركي أن يدرك أن التاريخ لا يُصنع من خلال تغريدة أو تصريح عابر، بل من خلال الثبات على المبادئ والتماسك في الرؤية. وهذا ما يتوفر عليه المغرب اليوم أكثر من أي وقت مضى.