أعاد الهجوم السيبراني الأخير، الذي استهدف عدداً من بوابات المؤسسات العمومية بالمغرب، طرح تساؤلات جدية حول فعالية السياسات الرقمية الوطنية، ومدى الجاهزية الحقيقية للتصدي لمثل هذه التهديدات.
ففي وقت تعلن فيه الحكومة عن توجه طموح نحو رقمنة المرافق، وتقديم “المغرب الرقمي” كخيار استراتيجي لتنمية البلاد، يتبين أن البنية الرقمية تعاني من اختلالات بنيوية تجعلها عرضة لهجمات متكررة، تهدد ليس فقط استمرارية الخدمات، بل تمس سيادة المعطيات الحساسة للمواطنين والمؤسسات على حد سواء.
الواقع يكشف عن فجوة واضحة بين الخطاب السياسي والممارسة الفعلية. هناك تسارع في إطلاق المنصات الإلكترونية داخل القطاعات العمومية، لكن دون مواكبة كافية على مستوى تأمين هذه المنصات. يتم الاعتماد على أنظمة غير محدثة، وتغيب في كثير من الأحيان آليات المراقبة الدورية والاختبارات السيبرانية. النتيجة هي هشاشة رقمية تُقابل بتصريحات رسمية مطمئنة، في حين أن الواقع الميداني ينذر بخطر دائم.
الانتقادات الأخيرة الموجهة إلى وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة ليست مجرد رد فعل ظرفي، بل تعبير عن تراكمات بدأت منذ إحداث هذه الوزارة سنة 2021. التوقعات كانت كبيرة، خاصة وأن الوزيرة، غيثة مزور، قدمت آنذاك كوجه شاب، بخبرة في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني. غير أن الهجمات الأخيرة تطرح علامات استفهام حول النتائج المحققة، وحول مدى التناغم بين الصورة التي تم التسويق لها، والواقع العملي للمرفق الرقمي العمومي.
ما يضاعف من خطورة الوضع أن هذه الهجمات لا تؤثر فقط على السير العادي للمرافق، بل تهدد الثقة التي بدأ المواطن يضعها تدريجياً في الخدمات الرقمية. حين يصبح الدخول إلى منصة إلكترونية مصدر قلق بدل أن يكون وسيلة للتسهيل، تُفقد الرقمنة معناها. أكثر من ذلك، المعطيات التي تُخزن في هذه الأنظمة لا تقتصر على البيانات الشخصية، بل تمس جوانب حساسة من منظومة الدولة، ما يجعل من أي اختراق محتمل خطراً سيادياً بامتياز.
لمواجهة هذا الوضع، لم يعد كافياً الحديث عن النوايا أو إطلاق مشاريع تجريبية. ما يحتاجه المغرب اليوم هو استراتيجية وطنية متكاملة في مجال الأمن السيبراني، تُبنى على ثلاث ركائز أساسية: استقلالية القرار الرقمي من خلال هيئة متخصصة، موارد مالية وتكنولوجية موجهة للأمن أولاً، وأطر بشرية مؤهلة قادرة على مواكبة التهديدات المتغيرة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يصاحب كل إطلاق رقمي جديد منظومة تقييم ومراقبة حقيقية، تضمن الاستمرارية والسلامة.
في المجمل ، فإن الرقمنة ليست ترفاً تقنياً، بل مشروع سيادي يتطلب الحذر والتأمين بقدر ما يتطلب الطموح. وإذا كان “المغرب الرقمي” شعاراً للمرحلة، فإن أول شرط لتحقيقه هو بناء حصن سيبراني واقعي، متماسك، وفعال.