في خطوة اعتبرها متابعون للشأن العام علامة فارقة في مسار محاربة الفساد وترسيخ مبادئ الشفافية في المغرب، تقدم الفريق الاشتراكي بمجلس النواب بمقترح قانون جديد يهدف إلى تجريم الإثراء غير المشروع. هذه المبادرة التشريعية أعادت ملف الفساد إلى صلب النقاش السياسي والقانوني، في وقت تتزايد فيه التساؤلات من قبل الرأي العام حول الثروات المفاجئة التي يظهرها بعض المسؤولين دون تفسير منطقي أو مساطر تتبع قضائي واضحة.
المقترح لا يكتفي بتجريم الفعل فحسب، بل يسعى إلى سدّ ما وصفه أصحاب المبادرة بـ”الثغرة القاتلة” في المنظومة القانونية الحالية، والمتمثلة في غياب إطار قانوني متكامل يتيح محاسبة المسؤولين عن ثروات غير مفسرة. هذا الفراغ القانوني، بحسب المقترحين، شكّل أرضية خصبة لتفشي الإثراء غير المشروع، حيث راكم بعض المسؤولين ثروات طائلة دون أن تُطرح عليهم أسئلة محاسبة جادة، ودون وجود إمكانية لتتبع مصادر أموالهم.
و ينص مقترح القانون على تعريف واضح للإثراء غير المشروع، معتبرًا إياه:
“كل زيادة كبيرة وغير مبررة في الذمة المالية لشخص ملزم بالتصريح بالممتلكات، لا تتناسب مع دخله المشروع، سواء تعلقت به أو بزوجته أو أبنائه القاصرين.”
ويمنح النص القانوني قيمة قانونية حتى للإمتناع عن التصريح أو تقديم تصريح مغلوط، باعتباره قرينة تبرر فتح تحقيق رسمي.
الأكثر من ذلك، يتعامل المقترح بصرامة مع محاولات إخفاء مظاهر الثراء، كالتلاعب بالوثائق أو تقديم معلومات كاذبة، ويُدرجها كجرائم قائمة بذاتها يُعاقب عليها بالحبس والغرامة، في مسعى لقطع الطريق على محاولات الالتفاف على القانون.
و لا يقتصر النص على المسؤولين العموميين فقط، بل يُوسّع دائرة المحاسبة لتشمل:
• رؤساء وأمناء المال في الأحزاب السياسية
• أعضاء الجمعيات والنقابات والهيئات المستفيدة من الدعم العمومي
• كل من يدبّر أو يؤثر في تدبير المال العام
هذه النقلة النوعية في التحديد القانوني تعكس وعياً بأن الفساد لا يقتصر على الإدارات العمومية، بل يمكن أن يتسرب عبر قنوات المجتمع المدني والهيئات الوسيطة إذا لم تكن هناك ضوابط صارمة.
و يعزز المقترح دور المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية التابعة له، إذ يمنحهم صلاحيات استثنائية في البحث والتدقيق، عبر قضاة متخصصين ذوي خبرة لا تقل عن عشر سنوات في مجال المراقبة المالية. كما يتيح للقضاء والنيابة العامة آليات حاسمة، من أبرزها:
• الحجز الاحتياطي على الأموال المشبوهة
• منع مغادرة التراب الوطني بالنسبة للأشخاص المشتبه فيهم
• حماية الأصول من البيع أو التبديد
و رغم الطابع الطموح لهذا المقترح، فإن فعاليته ستظل رهينة بإرادة سياسية قوية لتطبيقه، بعيداً عن الانتقائية أو التوظيف السياسي. فالتجارب السابقة أظهرت أن وجود النصوص لا يكفي، إذا لم تتوفر أجهزة تنفيذية جادة، وسلطات رقابية مستقلة، وقضاء نزيه قادر على مواجهة لوبيات الفساد.
ويخشى البعض أن يواجه المقترح مقاومة داخلية من أطراف قد ترى في هذا القانون تهديداً لمصالحها، خاصة في غياب آليات شفافة لتتبع الثروات، والتصريح الإجباري الفعلي بالممتلكات.
ففي بلد يعاني من تراكم مظاهر الريع والفساد في مستويات متعددة، يُشكل هذا المقترح لحظة اختبار حقيقية للدولة ومؤسساتها. فإما أن يكون بوابة نحو مغرب جديد، يُربط فيه المسؤولية بالمحاسبة فعلاً لا شعاراً، أو يُجهض مثل غيره تحت ضغط المصالح والنفوذ.
الكرة الآن في ملعب المؤسسة التشريعية، والرأي العام مطالب بمواكبة هذا الورش ورفع منسوب الضغط الشعبي لتأمين مصداقيته وتنفيذه على أرض الواقع. فمحاربة الإثراء غير المشروع ليست فقط مسألة قانون، بل مسألة إرادة وطنية جماعية.