في السنوات الأخيرة، شهد المشهد الإعلامي الرياضي المغربي ظاهرة متزايدة تستحق التوقف عندها بالنقاش والتحليل.
يتعلق الأمر ببعض الإعلاميين والصحفيين الذين أصبحوا يعتمدون أسلوب الاستفزاز المباشر لجماهير الأندية الكبيرة مثل الوداد الرياضي، الرجاء الرياضي، الجيش الملكي، وغيرها من الفرق ذات القاعدة الجماهيرية العريضة.
هذا السلوك، الذي يهدف في الأساس إلى زيادة التفاعل والمشاهدات على وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي، يثير جدلًا واسعًا ويضع علامة استفهام كبيرة حول أخلاقيات العمل الصحفي ودوره في تطوير الرياضة.
و تعتبر كرة القدم في المغرب أكثر من مجرد رياضة؛ فهي شغف يجمع ملايين المشجعين حول فرقهم المفضلة.
ومع هذا الولاء الكبير، يصبح اللعب على أوتار العاطفة الجماهيرية وسيلة سهلة لجذب الانتباه ورفع نسب المشاهدة.
يلجأ بعض الصحفيين إلى استخدام عبارات أو آراء مثيرة للجدل حول أداء الفرق، تحكيم المباريات، أو حتى مهاجمة الأندية بشكل شخصي.
هذه التصريحات غالبًا ما تثير موجات من الغضب على منصات التواصل الاجتماعي، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التفاعل، وهو ما يعتبره البعض “نجاحًا إعلاميًا”.
لكن هذا الأسلوب لا يخلو من عواقب. فبدلًا من تعزيز الحوار الرياضي الصحي الذي يهدف إلى تطوير اللعبة في المغرب، يؤدي إلى إشعال فتيل التعصب بين الجماهير، ويدفع ببعضهم إلى تجاوز الحدود الأخلاقية عبر التراشق اللفظي أو حتى التهديدات.
و إذا كان هدف الإعلام هو تعزيز الرياضة وإبراز قيمها النبيلة، فإن هذه الممارسات تقوض هذه الأهداف. فالتركيز على إثارة الجدل بدلًا من التحليل العميق يساهم في خلق أجواء مشحونة تُبعد الجمهور عن جوهر الرياضة.
كما أن استفزاز الجماهير يُظهر الإعلام المغربي في صورة بعيدة عن المهنية، ما قد يؤثر سلبًا على سمعته إقليميًا ودوليًا.
علاوة على ذلك، فإن تحويل النقاش الرياضي إلى مجرد صراع بين الجماهير يعوق جهود تطوير كرة القدم الوطنية.
فبدلًا من التركيز على تحسين الأداء الفني للأندية، البنية التحتية، والتكوين، يصبح النقاش محصورًا في أمور سطحية لا تخدم مصلحة اللعبة.
الإعلام بين المسؤولية والمهنية
الصحافة الرياضية ليست فقط مهنة بل هي رسالة تهدف إلى تقديم المعلومة الصحيحة، تحليل الأداء بموضوعية، وتسليط الضوء على القضايا التي تساهم في تطوير الرياضة.
لذلك، فإن الإعلاميين مطالبون اليوم بالالتزام بأخلاقيات المهنة وتجنب استخدام استفزاز الجماهير كوسيلة لجذب الانتباه.
بدلًا من ذلك، يمكن للإعلام أن يكون عاملًا إيجابيًا في تطوير كرة القدم الوطنية من خلال تسليط الضوء على قصص النجاح، اقتراح الحلول للمشاكل التي تعاني منها الرياضة، وتشجيع النقاشات البناءة.
كما أن على الجماهير أن تتحلى بالوعي وألا تنجر وراء الاستفزازات، بل أن تركز على دعم فرقها بروح رياضية.
و للحد من هذه الظاهرة، يجب على المؤسسات الإعلامية اعتماد سياسات تحريرية صارمة تمنع الإساءة إلى الجماهير أو استغلال عواطفها. كما يمكن للهيئات المنظمة للصحافة في المغرب أن تلعب دورًا في مراقبة المحتوى الإعلامي وضمان احترام المعايير المهنية.
من جانب آخر، يجب أن تُفتح قنوات للحوار بين الإعلاميين والجماهير للتقريب بين الطرفين وبناء جسور الثقة. فالمشجع المغربي ليس عدوًا للإعلام، بل هو شريك في صناعة الفرجة الرياضية، ويستحق أن يُعامل بالاحترام الذي يليق بشغفه وانتمائه.
إن الصحافة الرياضية في المغرب أمام مفترق طرق. فإما أن تختار طريق الإثارة السطحية وزيادة التفاعل على حساب القيم الرياضية، أو أن تكون جزءًا من مشروع وطني يهدف إلى النهوض بكرة القدم المغربية.
الجماهير تستحق إعلامًا يحترم ذكاءها، ويعمل على تعزيز شغفها باللعبة بدلًا من استغلاله. فما أحوجنا اليوم إلى إعلام رياضي مسؤول يُعيد للرياضة المغربية بريقها، ويكون قدوة للجيل القادم من الصحفيين.