رغم ما يُروّج له عن تقدم المغرب في مجال التحول الرقمي، تكشف الأرقام واقعًا مختلفًا؛ حيث صنف تقرير حديث صادر عن منصة “ستاتيستا” المملكة ضمن الدول التي تعرف أعلى تكاليف لخدمات الإنترنت المحمول على مستوى العالم. ففي وقتٍ أصبحت فيه الشبكة العنكبوتية ركيزة أساسية في الاقتصاد والتعليم والتواصل، لا يزال المواطن المغربي يُجبر على دفع أسعار مرتفعة مقابل خدمات تُعتبر في بلدان أخرى من الحقوق الأساسية.
وفقًا للبيانات المنشورة، يبلغ سعر 1 جيجابايت من الإنترنت في المغرب حوالي 0.69 يورو (نحو 7 دراهم)، وهو رقم يتجاوز بكثير ما يدفعه مستخدمو الإنترنت في بلدان كبرى كفرنسا والصين والهند. أما بالنسبة للباقات الشهرية، فإن باقة 40 جيجابايت تُكلف 199 درهمًا، أي ما يقارب 7% من الحد الأدنى للأجور، في حين يحصل المواطن الفرنسي، على سبيل المثال، على 130 جيجابايت ومكالمات غير محدودة مقابل أقل من نصف هذا السعر.
هذا الفارق الصارخ لا يعكس فقط فجوة في القدرة الشرائية، بل يكشف عن خلل بنيوي في تنظيم سوق الاتصالات. فرغم تطور البنية التحتية نسبياً، يواجه المغاربة أسعارًا مرتفعة تجعل من الإنترنت أداة للنخبة بدل أن تكون وسيلة دمقرطة للمعرفة والفرص. ويزداد هذا الإشكال حدة مع تزايد الاعتماد على التعليم عن بُعد والعمل الرقمي، خاصة بعد جائحة كورونا التي أرست تحولًا لا رجعة فيه نحو الرقمنة.
ويُرجع خبراء هذا الوضع إلى هيمنة ثلاثة فاعلين رئيسيين على السوق، وهو ما يقلص من هامش المنافسة ويؤدي إلى غياب عروض تنافسية بأسعار معقولة. كما أن ضعف تقاسم البنية التحتية بين الفاعلين يزيد من تكلفة الخدمة. في هذا السياق، تُطرح تساؤلات جادة حول دور الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات (ANRT) في ضبط السوق وضمان ولوج عادل للمعلومة الرقمية.
إن مراجعة النموذج الحالي لم تعد خيارًا بل ضرورة، خاصة إذا ما أرادت البلاد المضي قدمًا في مشاريعها الرقمية الكبرى. فتح السوق أمام فاعلين جدد، وتشجيع المنافسة، وتحقيق العدالة الرقمية، تمثل خطوات عاجلة نحو جعل الإنترنت أداة للتمكين بدل أن تكون عبئًا على المواطن.