في ظل النقاشات المتصاعدة حول أداء المؤسسات التمثيلية بالمغرب، يبرز البرلمان كإحدى أكثر المؤسسات التي تثير الجدل، سواء من حيث نجاعته التشريعية أو مدى تمثيله الحقيقي لصوت الناخبين. فعلى الرغم من كونه ركيزة من ركائز النظام الديمقراطي، إلا أن عدداً من المؤشرات يطرح تساؤلات مشروعة حول مدى تحرره من منطق التدجين السياسي، وحول فعالية آليات اشتغاله في ظل تحولات اجتماعية واقتصادية عميقة تشهدها البلاد.
إن البرلمان المغربي، كما رسمه دستور 2011، يفترض أن يكون سلطة قائمة الذات، توازن وتراقب العمل الحكومي، وتدافع عن مصالح المواطنين. غير أن الواقع يكشف مفارقات صارخة، حيث تعاني المؤسسة التشريعية من ضعف في المبادرة التشريعية، وتراجع في الحضور والمشاركة، فضلاً عن محدودية التفاعل الحكومي مع أسئلة النواب، وهو ما يقوض جوهر العمل البرلماني ويجعل منه واجهة أكثر منه قوة اقتراحية فاعلة. فحين تصبح نسبة حضور البرلمانيين في الجلسات لا تتعدى 37%، وتتراجع نسبة الأجوبة الحكومية إلى أقل من ربع الأسئلة المطروحة، فإننا نكون أمام خلل بنيوي يمس مصداقية المؤسسة.
الأدهى من ذلك هو أن المعارضة داخل البرلمان، التي يفترض أن تمارس دوراً محورياً في خلق التوازن ومساءلة السلطة التنفيذية، تبدو باهتة ومفككة. غياب الكتلة المعارضة القوية والمتماسكة أضعف من قدرة البرلمان على لعب أدواره الكاملة، وفتح المجال أمام تغوّل الأغلبية وتحكم شبكات النفوذ في صناعة القرار. وهو ما يؤدي إلى تطبيع مقلق مع واقع سياسي تتآكل فيه المسافة بين المؤسسة التمثيلية والمواطن، وتُختزل فيه الممارسة البرلمانية في شعارات فضفاضة ووعود انتخابية لا تجد طريقها إلى التنفيذ.
وربما الأخطر من كل هذا هو الإحساس المتزايد لدى فئات واسعة من المواطنين بأن البرلمان لم يعد يعكس إرادتهم، ولا يمثل همومهم الحقيقية. هذا الإحساس يغذيه الفارق الشاسع بين الخطاب السياسي والممارسة، ويكرّسه العزوف المتنامي عن العملية السياسية برمتها. حين يفقد المواطن ثقته في نائبه البرلماني، وتصبح المؤسسات منتجة للاغتراب بدل الاستجابة، فإن ذلك يؤشر إلى أزمة ثقة عميقة تُضعف المشروع الديمقراطي من الداخل.
اليوم، يبدو أن المغرب في حاجة إلى مراجعة جريئة لمنظومة العمل البرلماني، لا تقتصر على تعديلات شكلية أو ترقيعية، بل تلامس جوهر العلاقة بين المواطن ومؤسساته. برلمان فاعل لا يُبنى فقط على القوانين، بل على إرادة سياسية صادقة، ونخب مؤمنة بالمسؤولية، ومعارضة يقظة، وحياة حزبية حقيقية تتجاوز منطق الولاءات إلى منطق المصلحة العامة. دون ذلك، سيظل البرلمان مجرد صندوق يتردد فيه صدى الصوت الشعبي، دون أن يجد له صدى في القرار السياسي.