شهدت السنوات الأخيرة تحولات جذرية في طريقة تفاعل الأفراد داخل المجتمع المغربي، وذلك بفضل الانتشار الواسع للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وفقًا لتقرير صادر عن الهيئة الوطنية لتقنين الاتصالات (ANRT) في المغرب ، فإن نسبة انتشار الإنترنت في البلاد بلغت حوالي 88% من السكان، مع وجود أكثر من 30 مليون مستخدم نشط لوسائل التواصل الاجتماعي. هذا الانتشار الكبير أحدث تغيرات واسعة على المستوى الاجتماعي والثقافي، حيث أصبح التواصل عبر الشبكات الاجتماعية أسلوبًا أساسيًا للتفاعل اليومي، سواء في المحادثات العائلية أو النقاشات العامة. وقد أتاح هذا الفضاء الرقمي للمغاربة التواصل بسهولة مع أفراد الأسرة والأصدقاء خارج الوطن، مما ساهم في تقوية الروابط الاجتماعية وتوسيع نطاق التفاعل ليشمل مختلف شرائح المجتمع.
غير أن هذه التحولات الرقمية لم تخلُ من التحديات التي تمس حياة الأفراد والمجتمع ككل. فمع تقدم التكنولوجيا، ظهرت ظواهر جديدة مثل العزلة الرقمية، حيث يؤدي الاستخدام المفرط للإنترنت إلى تقليل التفاعل الاجتماعي المباشر. وفقًا لدراسة أجرتها جامعة محمد الخامس في الرباط ، فإن أكثر من 40% من الشباب المغربي يشعرون بأن استخدامهم المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي قد قلل من تفاعلهم الاجتماعي المباشر، مما يعزز الابتعاد عن التواصل التقليدي وجهاً لوجه. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في خلق نوع من الضغوط الاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بالهوية الرقمية والمظهر الشخصي. وفقًا لاستطلاع أجرته منصة “YouGov” ، فإن 55% من المستخدمين المغاربة لوسائل التواصل الاجتماعي يشعرون بالضغط لظهورهم بمظهر مثالي يتماشى مع معايير المجتمع الافتراضي.
على الرغم من هذه التحديات، فإن الإنترنت قدم فرصة هائلة للمغاربة للتعبير عن آرائهم ومشاركة تجاربهم. وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة “أصداء بيرسون مارستيلر” ، فإن 65% من الشباب المغربي يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للمشاركة في النقاشات العامة والتعبير عن آرائهم. وقد ساهمت هذه المنصات في زيادة الوعي حول قضايا حساسة مثل حقوق المرأة والقضايا البيئية، مما فتح المجال أمام الحركات الشبابية للتعبير عن مطالبهم وخلق نقاشات فاعلة.
لكن المجتمع المغربي يواجه أيضًا تحديات كبيرة تتعلق بانتشار المعلومات المغلوطة والأخبار الزائفة عبر الإنترنت. وفقًا لتقرير صادر عن منظمة “Reporters Without Borders” في عام 2023، فإن المغرب يعاني من انتشار واسع للأخبار الكاذبة، خاصة خلال الفترات الانتخابية والأزمات الاجتماعية. هذا الأمر يشكل تهديدًا لسلامة الفكر العام ويتطلب تعزيز مهارات التحليل النقدي لدى الأفراد لتمكينهم من التمييز بين الأخبار الموثوقة والمضللة.
من أجل الاستفادة الكاملة من الثقافة الرقمية دون الوقوع في فخ تحدياتها، يحتاج المغرب إلى تعزيز الثقافة الرقمية بين جميع فئاته. هذا يشمل توفير التعليم الرقمي في المناطق النائية، حيث لا يزال هناك نقص في الوصول إلى الإنترنت والخدمات الرقمية. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري سن قوانين جديدة لحماية خصوصية الأفراد من المخاطر الرقمية. وفقًا لتقرير صادر عن منظمة “Privacy International” في عام 2023، فإن المغرب يحتاج إلى تحديث قوانين حماية البيانات الشخصية لتتماشى مع المعايير الدولية. كما يجب تعزيز مهارات التحليل النقدي لدى الأفراد من خلال برامج توعوية في المدارس والجامعات، بالإضافة إلى حملات توعية عبر وسائل الإعلام.
في النهاية، يعكس تأثير الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في المجتمع المغربي تحولًا عميقًا في طبيعة العلاقات الاجتماعية والكيفية التي يتم بها تبادل الأفكار والمعلومات. ومع ذلك، فإن هذه التحولات تأتي مع تحديات كبيرة تتطلب تعزيز الثقافة الرقمية وحماية الخصوصية وتعزيز التحليل النقدي. من خلال تبني هذه الحلول، يمكن للمغرب الاستفادة الكاملة من الثقافة الرقمية دون الوقوع في فخ تحدياتها.