في عالم السياسة، غالبًا ما يكون الخطاب العلني موجهًا للجماهير، بينما تجري الحقائق الاقتصادية في الخفاء، وهو ما يبدو جليًا في حالة الجزائر وعلاقاتها التجارية مع إسرائيل.
فمنذ عقود، تتبنى الجزائر موقفًا سياسيًا صلبًا ضد التطبيع مع إسرائيل، وتعلن دعمها للقضية الفلسطينية في مختلف المحافل الدولية، إلا أن الأرقام تكشف واقعًا مغايرًا، حيث يشهد التبادل التجاري بين البلدين نموًا متزايدًا، ليضع الجزائر في مرتبة متقدمة عربيًا بين المصدّرين إلى إسرائيل.
وفقًا للإحصاءات، بلغت قيمة الصادرات الجزائرية إلى إسرائيل 9.77 مليون دولار عام 2020، وارتفعت إلى 14.9 مليون دولار عام 2021، ثم قفزت إلى 21 مليون دولار عام 2022.
والأكثر إثارة للجدل أن بعض التقارير تشير إلى أن الجزائر أصبحت من بين كبار المصدّرين لإسرائيل في العالم العربي، حيث تجاوزت قيمة الصادرات 30 مليون دولار بحلول عام 2025.
هذه المعطيات تضع الحكومة الجزائرية أمام تساؤلات ملحّة: كيف يمكن لبلد يجرّم التطبيع ويعتبره “خيانة”، أن يواصل تصدير منتجاته إلى إسرائيل دون تقديم تبريرات واضحة للرأي العام؟
تبرز بعض التفسيرات لهذا التناقض، منها أن التجارة تتم عبر وسطاء دوليين، مما يمنح الجزائر غطاءً لتجنب الإحراج السياسي.
ومع ذلك، فإن هذه الحجة لا تصمد أمام التدقيق، فالتجارة الدولية لم تعد سرًا، والأرقام الاقتصادية تُوثَّق من قبل هيئات عالمية، مما يجعل الإنكار الرسمي غير ذي جدوى.
كما أن اعتماد الجزائر على تصدير موارد مثل المواد الطاقية والكيماوية إلى إسرائيل يثير تساؤلات حول مدى جدية مواقفها السياسية.
هذا التناقض بين الخطاب الرسمي والواقع العملي ليس مجرد إشكال أخلاقي، بل يعكس أزمة أعمق في السياسة الجزائرية، حيث يواجه النظام معضلة التوفيق بين خطاب شعبوي رافض للتطبيع، وبين مصالح اقتصادية تفرض نفسها في سياق العولمة.