في ظل التحولات العميقة والتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم والمغرب على وجه الخصوص، يعيش الجيل الصاعد أزمة وجودية تتجلى في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية. هذا الواقع المأزوم ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكمات لسنوات من السياسات غير المتوازنة التي لم تضع هذه الفئة في صلب مشاريع التنمية، مما أدى إلى فقدانها للبوصلة وتركها تتخبط بين متطلبات الواقع وتطلعاتها الشخصية.
يعد التعليم في المغرب أحد أبرز التحديات، حيث يعتمد النظام التعليمي على مناهج تقليدية تفتقر إلى التحفيز على التفكير النقدي والإبداعي، مما يجعل الخريجين غير مؤهلين لمتطلبات سوق الشغل. ورغم تخرج الآلاف سنويًا من الجامعات والمعاهد، إلا أن نسبة كبيرة منهم تجد نفسها عاطلة عن العمل أو مجبرة على قبول وظائف لا تتناسب مع مؤهلاتها. هذا الواقع يدفع العديد إما إلى الهجرة الشرعية أو غير الشرعية بحثًا عن فرص أفضل، أو إلى الاستسلام للإحباط واليأس.
لم تقتصر الأزمة على الجانب الاقتصادي والتعليمي فحسب، بل امتدت إلى أزمة قيمية ومعيارية، حيث تراجع دور المؤسسات التقليدية في التوجيه، مما جعل وسائل التواصل الاجتماعي المصدر الرئيسي لتشكيل الوعي. وقد أدى ذلك إلى انتشار نماذج نجاح سطحية تعتمد على الشهرة السريعة بدلاً من بناء الذات وتنمية القدرات الحقيقية، مما زاد من حالة الضياع والاغتراب لدى العديد.
لكن في المقابل، لا يمكن إنكار وجود فئة تقاوم هذا الواقع وتسعى إلى صنع التغيير، سواء من خلال ريادة الأعمال، الفنون، الرياضة أو المبادرات المدنية. هؤلاء يؤكدون أن الأزمة ليست قدرًا محتومًا، بل يمكن تجاوزها بإرادة قوية ودعم حقيقي من الدولة والمجتمع.
إن حل هذه الأزمة يتطلب مقاربة شاملة تشمل إصلاحات جذرية في النظام التعليمي، توفير فرص تشغيل عادلة، وإعادة بناء منظومة القيم الاجتماعية. كما يجب أن يكون لهذه الفئة دور فاعل في اتخاذ القرارات، سواء عبر المجالس المنتخبة أو من خلال المجتمع المدني.
إن هذه الفئة ليست مشكلة تحتاج إلى حل، بل هي قوة يجب استثمارها لتحقيق التنمية المستدامة. المطلوب اليوم هو رؤية واضحة تجعل منها عنصرًا فاعلًا في بناء الوطن وليس مجرد متفرج على مستقبله الغامض. إن فقدان البوصلة هو فقدان للمستقبل، ولا يمكن السماح بذلك إذا كان الهدف هو بناء مغرب قوي قادر على مواجهة تحديات العصر.