في بادرة جديدة نحو التحول الرقمي في الاقتصاد المغربي، أعلن عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، عن مشروع إطلاق “الدرهم الرقمي” خلال ندوة صحفية عُقدت في 18 مارس 2025.
هذا الإعلان يعكس التوجه الجديد للمملكة نحو تعزيز الشمول المالي والتحول إلى اقتصاد رقمي متكامل. “الدرهم الرقمي” يأتي في وقت حاسم، حيث يشهد العالم بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص تحولات كبيرة في عالم العملات الرقمية، ما يجعل هذا المشروع ذا طابع استراتيجي من الدرجة الأولى.
المشروع، الذي يلقى دعمًا تقنيًا من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، هو خطوة طموحة نحو تحديث النظام المالي المغربي. ووفقًا لتصريحات الجواهري، يهدف “الدرهم الرقمي” إلى تقليص الاعتماد على المعاملات النقدية التقليدية، وتعزيز الشمول المالي في البلاد، من خلال تسهيل الوصول إلى الخدمات المالية لفئات أوسع من المجتمع المغربي.
هذا التطور يواكب الاتجاهات العالمية التي تشهد اهتمامًا متزايدًا بالعملات الرقمية للبنك المركزي، والتي باتت جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات الدول الكبرى في مجال الابتكار المالي.
إلا أن مشروع “الدرهم الرقمي” ليس مجرد عملة رقمية تقليدية. فالتجربة الرقمية بين المغرب ومصر، التي تتضمن دراسة كيفية التعامل مع تحويلات الجالية المغربية من خلال هذه العملة الافتراضية، هي واحدة من أبرز مظاهر التعاون الإقليمي في هذا المجال.
هذا التعاون يحمل في طياته فرصة كبيرة لتعزيز كفاءة التحويلات المالية، لا سيما في ظل التحولات الجيو-سياسية والتطورات الاقتصادية التي قد تؤثر على الأنظمة المصرفية التقليدية.
ومع ذلك، يظل السؤال الأبرز: هل المغرب مستعد حقًا لهذا التحول الرقمي الكبير؟ في ظل التحديات التقنية واللوجستية التي قد ترافق أي مشروع بهذا الحجم، فإن الأمر يتطلب تطوير بنية تحتية تقنية متطورة يمكنها دعم التعاملات الرقمية بشكل فعال وآمن.
ويشير الجواهري إلى أن إطلاق “الدرهم الرقمي” سيكون عملية طويلة الأمد، ما يعني أن المشروع لا يزال في مرحلة الإعداد ويحتاج إلى وقت من أجل أن يصبح قابلاً للتطبيق على نطاق واسع.
من جانبه، يتوقع أن يكون لهذه العملة الرقمية تأثير إيجابي على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية في المغرب، من تعزيز الثقة في النظام المالي الوطني، إلى تسهيل المعاملات التجارية المحلية والدولية.
لكن، في الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل المخاوف المتعلقة بالأمن السيبراني وحماية البيانات الشخصية، وهو ما يفرض على الجهات المعنية اتخاذ تدابير صارمة لضمان حماية المستخدمين.
وبينما يعتبر البعض أن “الدرهم الرقمي” خطوة نحو اقتصاد رقمي مرن ومتطور، يرى آخرون أنه يجب توخي الحذر من آثار هذا التحول على الفئات الأقل قدرة على التكيف مع التقنيات الحديثة. إذ قد يواجه بعض المواطنين، خاصة في المناطق النائية أو الفئات ذات الدخل المحدود، صعوبة في التكيف مع هذا التحول.
إجمالاً، يمثل إطلاق “الدرهم الرقمي” خطوة كبيرة نحو تحديث النظام المالي في المغرب، لكنه يتطلب استعدادًا شاملاً على جميع الأصعدة، من البنية التحتية الرقمية إلى الثقافة المالية والتدريب المتخصص. ورغم التحديات المحتملة، يبقى هذا المشروع علامة فارقة في مسار الاقتصاد المغربي نحو المستقبل، ويضع المملكة في قلب التحولات الاقتصادية الرقمية العالمية التي تشهدها العديد من الدول الكبرى.