انطلقت اليوم الأربعاء بالرباط، أشغال الدورة الأولى للمؤتمر الدولي للهندسة الثقافية و تنمية التراث، الذي تنظمه مدرسة علوم المعلومات في إطار أنشطتها العلمية الرامية إلى تعزيز البحث و الإبتكار و التميز في مجالات الهندسة الثقافية و تنمية التراث.
و يهدف هذا المؤتمر، المنظم بشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلم و الثقافة (اليونسكو) و المركز الوطني للبحث العلمي و التقني و الإتحاد العربي للمكتبات و المعلومات و المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية و مدرسة المكتبيين و أمناء الأرشيف و الموثقين بالسنغال و دار التراث الشفهي، إلى مقاربة الصناعات الثقافية و الإبداعية على مستوى إفريقيا و العالم العربي، و دراسة تطورها في سياق ما بعد الحداثة.
و في كلمة بالمناسبة، قال مدير مدرسة علوم المعلومات، صلاح الدين بهجي، أن هذا المؤتمر يوفر منصة لتبادل الرؤى حول الصناعات الثقافية و الإبداعية في المنطقة العربية و الإفريقية، فضلا عن إستكشاف الفرص و التحديات التي تواجه هذا القطاع في ظل التحولات المعرفية و التكنولوجية المعاصرة.
و أضاف أن سعي العالم إلى تعزيز التنمية المستدامة يأتي في سياق تضطلع فيه الصناعات الثقافية وا لإبداعية بدور رئيسي في دفع عجلة الإقتصاد و خلق فرص العمل و تعزيز الهوية الثقافية، مشيرا إلى أن مدرسة علوم المعلومات، من خلال تنظيمها لهذا المؤتمر، تسعى إلى أن تكون جزء من هذا التحول و توظف إمكانياتها لتوفير منصة علمية تساهم في نشر الوعي حول هذا الموضوع.
من جهته، إستعرض عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أحمد بوكوس، مميزات الهندسة الثقافية التي تتمثل، على الخصوص، في الإبداع و الإبتكار، و دمقرطة الثقافة و خلق روابط إجتماعية و التنمية الإقتصادية المحلية، فضلا عن تثمين التراث اللامادي، و الإبتكار في مجال الإنتاج.
أما في ما يتعلق بمخاطر الهندسة الثقافية، فقد تطرق بوكوس إلى صعوبة تقييم الإنعكاسات المختلفة التي تؤثر على الإنتاجات الثقافية الجماعية، بالإضافة إلى إقصاء بعض الفئات من الساكنة التي لا تستفيد كثيرا من مساهمتها في إنتاج القيمة المضافة، و إضعاف الجمالية التقليدية للمشغولات، خاصة الزرابي، فضلا عن تدخل الهندسة الثقافية في إتجاه تجريد المجتمعات القروية المعزولة من رأسمالها الثقافي عن طريق التجارة.
و من جانبه، توقف مدير مكتب اليونسكو في المنطقة المغاربية، إيريك فالت، عند الدينامية التي أصبحت تشهدها الثقافة على المستوى الدولي، مسجلا أهمية إعتماد وزراء الثقافة في مجموعة الدول السبع إعلانا “تاريخيا” يهدف إلى حماية الحقوق الثقافية بكل تنوعها بشكل أفضل، و كذا إجتماع وزراء الثقافة في مجموعة العشرين، و الذي أسفر عن إلتزام مشترك بزيادة الإستثمار في السياسات الثقافية.
و أكد المتحدث فالت أنه و في ظل الزخم الذي باتت تشهده الثقافة، أصبح العالم يقف في لحظة محورية للإعتراف الكامل بدور الثقافة في تماسك المجتمعات و تحولها، معربا عن أمله في أن يشكل هذا المؤتمر فرصة لجمع كل الجهات الفاعلة في الصناعات الثقافية و الإبداعية في المغرب إلى جانب كافة شركائهم المعنيين بهدف القيام بأفضل الخيارات المتاحة على المستوى الوطني.
و في تصريح للصحافة، قال رئيس الإتحاد العربي للمكتبات والمعلومات، نبهان بن حارث بن ناصر الحراصي، أن إنعقاد هذا المؤتمر الدولي يأتي في سياق تحاول فيه كل دول العالم صياغة إستراتيجياتها و خططها للتنمية و الإستدامة الثقافيتين، مسجلا في ذات الصدد، أن هذا الأمر لا يمكن أن يتأتى إلا إذا تم تحقيق عائدات إقتصادية و مادية من الثقافة.
و أضاف الحراصي، الذي يشارك بأوراق علمية في هذا المؤتمر، أن هذه الدورة ستحاول الكشف عن كيفية النجاح في الإستثمار في الثقافة على مستوى الوطن العربي و القارة الإفريقية، معربا عن أمله في أن تساهم الأوراق العلمية المدرجة في وضع رؤى مستقبلية و توصيات تفضي إلى تحقيق عائدات مادية و إقتصادية من الثقافة.
و يقارب المؤتمر، الذي تمتد أشغاله لثلاثة أيام، على الخصوص، تعقيدات الصناعات الثقافية و الإبداعية في إفريقيا و العالم العربي، و خصوصياتها، و الإشكاليات الناجمة عن تطور هذه الصناعات، و النمو الإقتصادي و الإفتراضي، و واقع خلق فرص العمل، و تنمية المناطق الهشة، و خصوصية ريادة الأعمال الثقافية، فضلا عن المكانة التي تحتلها الصناعات الثقافية و الإبداعية في الأسواق الوطنية و الدولية، و القضايا المتعلقة بالتنوع في إفريقيا و العالم العربي، و المسؤولية المجتمعية و الثقافية، و ذلك وفق تصور متعدد التخصصات.
و تتوزع أشغال المؤتمر على ثمانية محاور كبرى، تشمل على الخصوص الصناعات الثقافية و الإبداعية، و المتحف و الفن و المجتمع، و المكتبات و الصناعات الثقافية، و المجتمع و الصناعات الثقافية و الإبداعية، و تطوير التعبير الفني، إضافة إلى حلقة دراسية لطلبة الدكتوراه.
كما يشمل برنامج المؤتمر محاضرتين لكل من مدير كرسي الآداب و الفنون الإفريقية التابع لأكاديمية المملكة المغربية، أوجين إيبودي، في موضوع “الديبلوماسية الثقافية و الصناعات الثقافية : زمن إفريقيا”، و رئيس الإتحاد العربي للمكتبات و المعلومات، نبهان بن حارث الحراصي، في موضوع : “فرص الإستثمار في الثقافة في الوطن العربي”.