لن تكون نتائج انتخابات سبتمبر 2021 كسابقاتها بأي شكل من الأشكال. فيما مضى كان بالإمكان فتح باب التوقعات والتكهنات. أما اليوم، و نحن على بعد أسابيع فقط من تاريخ هذه الانتخابات فالكل واجم، متأمل وساكت… فحذف العتبة والقاسم الانتخابي أربكا الحسابات وفرضا على الجميع الانتظار والحذر. فالألوان التي ستمثل بالجماعة ستكون أكثر بكثير مما ألفت الأحزاب ومنتخبوها. فكيف سيتم تدبير الشأن العام وتوزيع مقاعد مكتب الجماعة وتشكيل أغلبية فاعلة ومنسجمة؟
في جماعة كجماعة الرشيدية جرت العادة منذ ولايتين على الأقل أن تتكون الأغلبية من حزب كبير ورديف مكمل. أو من حزب واحد يمد رجليه على كل الفضاء المؤثر في الجماعة. و هو ما لن يكون متاحا أبدا في انتخابات سبتمبر المقبلة.
إنه لا يجب أن يفهم مما سبق أن الأحزاب ستكون متكافئة ومتساوية. ستكون هناك أحزاب كبرى تشكل القاطرة وستكون كذلك عربات مجرورة. فالحزبان الكبيران في جماعة الرشيدية سيكونان هما حزبا العدالة والتنمية والاستقلال. وستحضر معهما أحزاب صغيرة تتراوح بين الأربعة والستة. و سنجد أنفسنا عندئد أمام سيناريوهين:
– الأول:
بناء الأغلبية من الحزبين الكبيرين، أي البيجيدي والاستقلال.وفي هذا النموذج قد نتجاوز البلقنة التي ستفرزها الصناديق. فسيتم في هذه الحالة تحقيق قدر هام من الانسجام والتوافق وسيسهل تطبيق النقط المشتركة والمتقاربة في البرنامجين الانتخابيين… لكن هل من الممكن تصور أن يضع حزب الاستقلال يده في يد حزب العدالة والتنمية. وفي الأذهان ذلك السجال والخلاف والصراع في هذه الولاية التي تشرف على نهايتها. كل الناخبين يتذكرون المقاربات المختلفة والمتناقضة للحزبين والنقط التي ظلت المعارضة الاستقلالية القوية بجماعة الرشيدية تسجلها على الأغلبية المطلقة لحزب العدالة والتنمية. من قبيل مقهى سوق الخميس. البناية غير المكتملة بزاوية المحطة الطرقية. الملاحظات ال 56 للمجلس الجهوي للحسابات التي شكلت صلب معارضة الميزان للمصباح. وغيرها كثير و اتخذ طابعا ثنائيا كمسألة مقر مفتشية حزب الاستقلال الذي حاول حزب العدالة والتنمية طرد الاستقلال منه ولو بالإفراغ المستند على القوة العمومية… إن الانتقال من وضع الغريم إلى وضع الحليف قد يكون صعبا وله كلفته السياسية والاجتماعية والأخلاقية.
– الثاني:
تحالف أحد الحزبين مع مجموعة من الأحزاب الصغيرة وإقصاء الآخر إلى مدارج المعارضة. ويبدو أن حزب الاستقلال ستكون حظوظه في هذا الباب أوفى من حزب العدالة والتنمية. فجل المنتخبين الذين صار مألوفا أن نراهم فائزين بألوان مختلفة لا ود يجمعهم بالمصباح. فبعضهم لا يتوانى في التعبير عن إحساسه بـ”الغدر” و”الخيانة” و”نقض العهود” التي لحقته منه سواء لما كان بالمكتب نائبا و مناصرا. أو لما صار حزب العدالة والتنمية منفردا ومستأسدا. لذلك فأغلبهم ينتظر الفرصة لرد الصاع صاعين. وهي تبدو قريبة ومواتية في الاستحقاقات المقبلة…
ورغم ما يبدو في الأمر من إيجابيات ومحفزات لحزب الاستقلال، فهل سيكون بإمكانه في ظل تحالف عريض وموسوم بسمات تعرقل أكثر مما تشجع، أن يوفق في مهامه ويقود جماعة مكونة من حلفاء يفكرون ذاتيا أكثر مما يفكرون موضوعيا؟ أما حزب العدالة والتنمية فسيكون في وضع يقبل فيه أي تحالف لاسيما إذا كان الربان منه، فسيتعلل باستكمال الأوراش ومواصلة الإصلاح. و الأهم البقاء في دفة التسيير التي ستريحه من وجع “تسليم السلط” خصوصا وأنه صار يتوفر اليوم على أطر حزبية قادرة على تهميش المنتخبين الذين لا يمتلكون قدرا معينا من الكفاءة السياسية، فهذا الحل أفضل بالنسبة إليه من التحالف مع حزب الاستقلال الذي قد يطالب بالرئاسة ومن ثمة محاصرة المصباح وتضييق الخناق عليه.
يبدو لي شخصيا اليوم أنه في غياب تجديد النخب في كل الأحزاب، و بالأحزاب الرديفة، أي المكملة للأغلبية، فسيكون تدبير الشأن العام مجازفة وولادة ميتة وتكرارا مملا للتجارب السابقة. لذا من منظوري فعلى كل غيور وصادق أن يتريث قبل الانخراط في العملية، فالشرط في الرديف والحليف ضروري، فإن كان بالمواصفات السابقة والمألوفة فالنأي بالذات أسلم. لأنه سيحكم من جديد على جماعة الرشيدية أن تدور في حلقة مفرغة وأن تتحول دوراتها إلى ما يشبه “السيرك“.