يصدق جدا على الخلاف المستعر بين بعض منتخبي العدالة و التنمية و الوالي بوشعاب يحضيه المثل الشعبي الذي يقول ” طاحت الصومعة علقوا الحجام ” .
فالصومعة التي تهدمت في مجلس جهة درعة تافيلالت كانت فقدان الشوباني لأغلبيته في دورة يوليوز 2019، و الحجام الذي يريد حزب العدالة و التنمية تعليقه هو بوشعاب يحضيه، وهذا هو منطق هذا الحزب الذي ابتلى الله به هذه البلاد، وكأن المنتخبين الذين اختاروا بعد محاولات شتى وتنبيهات عدة، المعارضة هم أطفال قصر ودمى لا حول لها ولا قوة، تأتمر بأوامر الوالي ومنهم من يحمل دبلومات يستحيي الإنسان من مجرد التفكير في شأنها بهذه الطريقة، والذي غاب على الرئيس وما تبقى من أغلبيته أن هؤلاء لجأوا في عهد الوالي السابق لنفس الاختيار بعدما يئسوا من محاولاتهم الفاشلة في تصحيح مسار التسيير الأحادي للشوباني، فهل مجرد عودتهم في الولاية السابقة لأغلبية الشوباني ورفضهم لذلك في عهد الوالي الحالي كاف لاتهام سلطة الرقابة بالوقوف وراء هذا الاصطفاف الجديد ؟ إنها استنتاجات بليدة ومحتقرة لذكاء الآخرين، فكيف يستقيم أن نقيّم ايجابا موقف النائب الأول السابق للتصويت لصالح انتخاب الشوباني في أول دورة رئيسا رغم ما حدث من انقسام بهيئتة السياسية، وتقييمه سلبا حين اختار المعارضة، فهل الرجل كان مستقلا في المرحلة الأولى وغير ذلك في المرحلة الثانية ؟
إن الحقيقة التي لا يريد حزب العدالة والتنمية مواجهتها والاعتراف بها هي فشل قيادي كبير ووزير سابق في قيادة الجهة بحس تشاركي في مجلس لا يمتلك فيه المصباح الأغلبية بل فوضت له الرئاسة في ظل ميثاق لم يحترمه الرئيس، وظل رغم تنبيهات شركائه، يهمشهم ويمارس عليهم ساديته التي انفجروا في وجهها رغم تكلفتها الباهظة على الجهة .
والصومعة التي انهارت في جماعة الرشيدية كانت هي كذلك تشتت أغلبية عبد الله هناوي بطريقة أخرى، وتجلى ذلك في غياب النصاب القانوني في عدة دورات على الرغم من امتلاك حزب العدالة و التنمية للأغلبية المطلقة، بمفرده في هذه الجماعة، ولهذا السبب خجل الرئيس من توجيه تهمة العبث بأغلبيته للوالي بوشعاب يحضيه، ففي ذلك إحراج له ولحزبه بالرشيدية، ويمس كبرياءه وهو الذي طالما تغنى بتماسك مجلسه ووحدة منتخبيه، لكنه لم يلجأ لتحميل الوالي التبعات مباشرة، بل اختار مصطلح البلوكاج، وصار يأول كل قرار وملاحظة لسلطة الرقابة وكأنها عرقلة لجماعته، بل لجأ الرئيس، كوسيلة للهروب إلى الأمام، إلى فتح جبهة شخصية مع الوالي في مسألة الحديقة التي أخرجها إلى الوجود قرب مطار مولاي علي الشريف وكأنه استحوذ عليها لفائدته الشخصية أو فوتها لبعض الأعيان، كما كان الولاة والعمال السابقون يفعلون ولم يحرك الرئيس ساكنا أنذاك، بل ظل صامتا واضعا أصبعيه في أذنيه، فكان الأولى تقديم الدعم للوالي في هذا المشروع مادام أنه انخرط في تنمية المدينة وفق مخطط الجماعة ومطامحها، لكن حدث العكس مما يبين أن حزب العدالة و التنمية يريد رأس الوالي و لا يهمه شيء آخر .
و كان الجامع الذي نسف والحجام الذي يخطط لتعليقه، قد دبرا أمرهما لما وصل عزيز الرباح إلى الرشيدية وزار رؤساء جماعات متابعين قضائيا ليتضح كذلك أن حزب العدالة والتنمية الذي ظل يتحكم في كل دوالب المدينة في السابق لم يتقبل طريقة بوشعاب يحضيه في التعامل مع الفرقاء السياسيين على قدم المساواة، فكانت التهمة هذه المرة غير موفقة وغير مدروسة، فتحميل اختصاصات القضاء للوالي خطأ غير مقبول من طرف حزب يرأس الحكومة، فالقضاء هو الحكم، وأحكامه يجب أن تُحترم، لكن حزب العدالة والتنمية بالرشيدية ظل في تناقض مثير، ففي الحكم القضائي ضد الوالي فيما يسميه البيجيدي بالبلوكاج ابتهج عبد الله الهناوي وإخوانه بالحكم، ونشروا هشتاك ” يحيا العدل “، لكن في الحكم على الرؤساء صار الموقف مغايرا، فكاد يقحم الوالي كذلك في أحكام سلطة فوق الجميع .
أما المصلون في هذا الجامع الذي سقطت صومعته، وهم الأحزاب الأخرى فهي تتفرج، في الولايتين السابقتين كانت تشتكي من غياب حياد الإدارة، ففي قفة رمضان في ذلك العام التي أشرفت عليها جمعية تابعة للبيجيدي ووُزعت بأسيما وكان مبلغ الواحدة يتجاوز 500 درهم ظلت تتباكى وتتألم، وتتهم خفية سلطات الرقابة بالعطف على البيجيدي، وفي أمثلة كثيرة أخرى كان هذا الحزب له حظوة لدى الولاة والعمال … نراها اليوم كذلك قد غرست رأسها في الرمال، تاركة الوالي وحده في مواجهة حزب قوي يريد أن ينفرد بالرشيدية والإقليم بمفرده وبدون شريك ولا سلطة رقابية محايدة .