أعلنت أحزاب من المعارضة المغربية نيتها تقديم ملتمس رقابة ضد حكومة عزيز أخنوش، مستندة إلى الفصل 105 من الدستور الذي يتيح للبرلمان إمكانية سحب الثقة من الحكومة.
المبادرة انطلقت من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وسرعان ما وجدت دعمًا من حزب التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية.
غير أن ما بدا في البداية وكأنه تحرك منسق لإرباك الأغلبية الحكومية، سرعان ما تعثر لأسباب سياسية وتنظيمية عميقة، انتهت بتأجيل المشروع إلى أجل غير مسمى.
رغم ما قيل عن التحاق حزب العدالة والتنمية بالمبادرة، فإن الحزب سرعان ما نفى ذلك رسميًا، معتبراً أن “ملتمس الرقابة” لم يُعرض عليه في إطار تشاور مؤسساتي حقيقي، بل جرى طرحه في الفضاء الإعلامي بشكل انفرادي.
بلغة أوضح، يرى الحزب أن زملاءه في المعارضة سعوا إلى الاستثمار الرمزي في خطوة غير محسوبة سياسياً، في وقت تعاني فيه المعارضة من تشتت تنظيمي وتباين في الخطاب السياسي.
هذا الموقف فتح الباب لتساؤلات حول موقع العدالة والتنمية ذاته داخل المعارضة.
فالحزب الذي لا يزال يعاني تبعات الهزيمة الانتخابية في 2021 يبدو حذراً من المغامرة بمبادرات قد تُفهم كاستعراضات سياسية غير مدروسة، في الوقت الذي يحاول فيه الحفاظ على تماسكه الداخلي وإعادة بناء خطابه بعيداً عن الضجيج المؤقت.
الملفت أن الفشل في تقديم الملتمس لم يأت نتيجة رفض شكلي فقط، بل كشف عن انقسامات عميقة داخل صفوف المعارضة. فبين من يسعى إلى الضغط الرمزي دون أفق حقيقي لإسقاط الحكومة، ومن يرى في الملتمس خطوة تكتيكية قد تُوظّف انتخابياً لاحقاً، غابت الرؤية الموحدة وظهر التباين في الأهداف والوسائل.
في المقابل، لم تُبدِ الحكومة أي انزعاج واضح من هذه الخطوة، بل تعاملت معها ببرود محسوب. فرغم الضغط الشعبي الناتج عن ارتفاع الأسعار وتراجع الثقة في الأداء الحكومي، يبدو أن الأغلبية ماضية في عملها، مطمئنة إلى غياب تهديد حقيقي داخل البرلمان.
ومع تمسك مكونات التحالف الثلاثي بالتنسيق السياسي، فإن الملتمس لم يشكل لحظة حاسمة في عمر الحكومة.
ما أفرزته هذه الواقعة ليس فقط فشل المعارضة في إرباك الحكومة، بل أيضاً فراغ استراتيجي في المشهد السياسي برمته. فالمعارضة لا تمتلك حالياً أدوات التأثير الفعّال، والحكومة تكتفي بتدبير اليومي دون مجهود إصلاحي مقنع.
بين هذا وذاك، يستمر ابتعاد المواطن عن المؤسسات، وتزداد هشاشة العلاقة بين السياسي والشأن العام، وسط شعور متنامٍ بأن الخلافات بين الفاعلين الحزبيين لا تُترجم إلى بدائل واقعية أو نقاشات سياسية ذات جدوى.
يمكن قراءة هذا الفصل من التوتر البرلماني باعتباره جزءاً من دينامية أوسع، حيث تسعى الأحزاب إلى إعادة التموضع داخل مشهد متقلب، بينما تستفيد الحكومة من ضعف خصومها أكثر مما ترتكز على قوة منجزاتها.
وبين حكومة تفتقر لخطاب تعبوي ومعارضة عاجزة عن التنسيق، يبدو أن المغرب يعيش لحظة “لاحسم سياسي”، يكون فيها الانتظار هو الفعل الوحيد الممكن.