بينما تُعلن الحكومة المغربية عن أرقام إيجابية تشير إلى تحسن اقتصادي، يجد المواطن العادي نفسه غارقًا في تحديات يومية لا تبدو أنها تتلاشى. ففي الوقت الذي يتحدث فيه الخطاب الرسمي عن نمو اقتصادي وانخفاض في معدلات الفقر، يواجه المواطنون ارتفاع تكاليف المعيشة، نقص فرص العمل، وضعف الخدمات العامة. هذه الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقع المعيشي تثير تساؤلات حول مدى تأثير السياسات الحكومية في تحسين حياة المواطنين.
وفقًا لبيانات البنك الدولي، شهد المغرب تباطؤًا في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، حيث تراجع من 3.4% في عام 2023 إلى 2.4% في النصف الأول من عام 2024، وذلك بسبب انكماش القطاع الزراعي بنسبة 4.8% نتيجة للجفاف الذي أثر على إنتاج الحبوب بنسبة 43%. في المقابل، حافظ القطاع غير الزراعي على نمو بنسبة 3.3%، مما يعكس أداءً أقوى.
رغم هذه التحديات، تمكن المغرب من تقليص عجز ميزانيته إلى 64.4 مليار درهم (6.46 مليارات دولار) في عام 2024، مقارنة بـ75 مليار درهم في العام السابق، مما يعكس جهودًا في تحسين الوضع المالي .
ومع ذلك، لا تزال تحديات أخرى قائمة. فقد ارتفع معدل البطالة إلى 13.3% في عام 2024، مقارنة بـ13% في 2023، حسبما أفادت المندوبية السامية للتخطيط في تقريرها الأخير. وأوضحت المندوبية أن عدد العاطلين على المستوى الوطني بلغ مليونًا و638 ألف شخص، بزيادة قدرها 58 ألفًا، منهم 42 ألفًا في المناطق الحضرية و15 ألفًا في المناطق الريفية. كما ارتفع معدل البطالة في المناطق الحضرية إلى 16.9%، مقارنة بـ16.8% في العام الماضي، وفي المناطق الريفية إلى 6.8% بعد أن كان 6.3% في 2023.
وظهرت البيانات أيضًا زيادة في معدل البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا، حيث وصل إلى 36.7%. وبلغ معدل البطالة بين حاملي الشهادات 19.6%، بينما كانت النسبة بين النساء 19.4%. هذه الأرقام تشير إلى أن القطاعات الاقتصادية لا توفر ما يكفي من الفرص للعمل، خصوصًا للفئات الأكثر احتياجًا مثل الشباب والنساء، مما يعمق الأزمة الاقتصادية التي يواجهها المواطنون في مختلف أنحاء البلاد.
فيما يتعلق بالتضخم، شهد المغرب انخفاضًا ملحوظًا من 6.1% في عام 2023 إلى 0.9% في عام 2024، ويرجع ذلك إلى انخفاض أسعار السلع المستوردة وزيادة استقرار أسواق المواد الغذائية. ويتوقع بنك المغرب أن يبلغ معدل التضخم 2.4% في عام 2025.
بالرغم من هذه المؤشرات الاقتصادية، لا يزال المواطنون يشعرون بتأثيرات التضخم على تكاليف المعيشة، خاصة فيما يتعلق بالمواد الأساسية. يقول سعيد، وهو أب لأربعة أطفال من الدار البيضاء: “الرواتب لم ترتفع، ولكن الأسعار ترتفع كل يوم. كيف يمكننا أن نعيش بهذه الظروف؟ الحكومة تتحدث عن الإنجازات، ولكننا لا نرى سوى المزيد من الصعوبات.”
وبينما تُظهر الأرقام الرسمية تحسنًا في بعض المؤشرات الاقتصادية، يبقى السؤال: هل تُترجم هذه الأرقام إلى تحسن ملموس في حياة المواطن المغربي؟ الإجابة تبدو معقدة، حيث تشير البيانات إلى تقدم في بعض المجالات، ولكن التحديات المستمرة في مجالات مثل البطالة، وتضخم تكاليف المعيشة، وتوفير الخدمات الأساسية، تشير إلى أن الخطاب الرسمي قد لا يعكس تمامًا الواقع المعيشي للمواطنين. لتحقيق تنمية حقيقية، يجب أن تكون السياسات الحكومية موجهة نحو معالجة هذه التحديات وضمان توزيع عادل للفوائد الاقتصادية بين جميع فئات المجتمع.