في سياق وطني يتسم بتحديات اقتصادية واجتماعية وبيئية متزايدة، دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى إعادة التفكير في نموذج دعم الفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة، من خلال اعتماد مقاربة جديدة أكثر شمولًا وابتكارًا، تأخذ بعين الاعتبار البعد الترابي والبيئي والاجتماعي لهذا النمط الإنتاجي الذي يشكل العمود الفقري للمنظومة الفلاحية بالمغرب.
جاءت هذه الدعوة خلال عرض المجلس لمخرجات رأيه حول الموضوع، يوم الأربعاء بالعاصمة الرباط، ضمن لقاء تواصلي حضره ممثلون عن قطاعات وزارية ومؤسسات عمومية وهيئات وطنية ودولية ومكونات من المجتمع المدني.
وأكد عبد القادر اعمارة، رئيس المجلس، أن الفلاحة العائلية ليست مجرد وحدات إنتاجية صغيرة، بل هي نمط عيش متكامل ومتجذر في الواقع القروي المغربي، تساهم في تحقيق الأمن الغذائي، وخلق فرص الشغل، والحفاظ على النظم البيئية. وأضاف أن المجلس اعتمد مقاربة تشاركية موسعة في إعداد رأيه، شملت الاستماع إلى فاعلين ميدانيين وخبراء، إضافة إلى زيارات ميدانية واستشارة مواطِنة.
خلص المجلس في تشخيصه إلى أن السياسات العمومية السابقة لم تولِ الاهتمام الكافي لهذا النمط الفلاحي، رغم أنه يشكل حوالي 70% من الاستغلاليات الفلاحية بالمغرب. واعتبر أن غياب دعم تقني وتمويلي ملائم، إضافة إلى ضعف التأطير والتنظيم، جعل من الفلاحة العائلية الحلقة الأضعف في السلسلة الفلاحية، كما أن الاستثمارات العمومية كانت منحازة للفلاحة ذات القيمة المضافة العالية على حساب الفلاحين الصغار.
ودعا المجلس إلى جعل الفلاحة العائلية أولوية استراتيجية ضمن السياسات العمومية، عبر تعزيز إدماجها في سلاسل القيمة، وتحسين قدرتها التفاوضية، وتوفير بيئة ملائمة تسمح لها بالإنتاج المستدام وتحقيق عوائد اقتصادية واجتماعية أفضل. كما أوصى بتصميم خطة عمل وطنية تأخذ في الحسبان التنوع الترابي، وتتجاوز نطاق الأنشطة الفلاحية لتشمل تحسين البنيات التحتية، وتوفير الخدمات العمومية، وتنويع مصادر الدخل، خصوصًا في المناطق القروية الهشة.
وأكد على أهمية تطوير الزراعات المقاومة للتغيرات المناخية، واعتماد ممارسات فلاحية مستدامة وقليلة الاستهلاك للمياه، مع دعم مربي الماشية الصغار للحفاظ على السلالات المحلية وتثمينها، إلى جانب تعزيز دور التعاونيات والجمعيات الفلاحية في التنظيم والإنتاج والتسويق.
من جهته، أكد عبد الرحمان قنديلة، مقرر الموضوع، أن الفلاحة العائلية تمثل ركيزة للتنمية المستدامة، ويجب اعتبارها فاعلًا استراتيجيًا في تحقيق الاستقرار القروي، وتوفير الشغل للنساء والشباب، والمساهمة في تغذية الأسواق المحلية بمنتجات متنوعة وذات جودة.
ويعكس هذا الرأي تحولًا نوعيًا في الخطاب العمومي تجاه الفلاحة العائلية، من قطاع هامشي إلى رافعة تنموية واعدة، إلا أن تفعيل هذه التوصيات على أرض الواقع يظل مرهونًا بإرادة سياسية واضحة وبرامج تنفيذية منسقة، تضع في صلب أولوياتها العدالة المجالية والكرامة الاجتماعية للفلاح المغربي.