الحدث بريس – متابعة
بعد مرور 237 سنة على تأسيس العلاقات الدبلوماسية، يواصل المغرب والنمسا توطيد الروابط الثنائية وعلى العديد من المستويات، سعيا منهما لتعزيز الشراكة الإفريقية الأوروبية.
وأُسست العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في العام 1783 عندما نهج السلطان محمد الثالث بن عبد الله الخطيب سياسة ترتكز على انفتاح المغرب على التجارة الأوروبية، قبل أن يرسل في فبراير 1783 باشا طنجة محمد بن عبد الملك مبعوثا للمحكمة الإمبراطورية في فيينا ليصبح أول سفير للمغرب لدى النمسا.
وقد نجح السفير المغربي في التفاوض على معاهدة سلام وصداقة بالإضافة إلى اتفاقية للتجارة بين البلدين، كانت بمثابة بداية فعلية للعلاقات الرسمية.
واليوم، استفاد البلدان من هذه العلاقات التاريخية ويواصلان التعاون الوثيق على المستوى الثنائي ومتعدد الأطراف، في إطار التعاون الاستراتيجي والمثمر بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
فعلى المستوى الاقتصادي، تضاعف حجم التجارة البينية بأربع مرات بين سنتي 2010 و2018، ليصل إلى حوالي 280 مليون دولار أمريكي. وقد بلغت قيمة الصادرات المغربية إلى النمسا سنة 2018، 189,56 مليون أورو مقابل 174,22 مليون أورو في سنة 2017، والمكونة، أساسا، من المنتجات الزراعية والأسماك والمنتجات المصنعة والمنسوجات والسلع الجلدية والسيارات.
بالمقابل، بلغت قيمة الصادرات النمساوية إلى المغرب 161,74 مليون أورو سنة 2018، بزيادة ب5,6 في المائة مقارنة بسنة 2017، والمكونة أساسا من الآلات ومعدات النقل والسكك الحديدية ومواد البناء ومواد خام أخرى.
وإلى جانب المبادلات التجارية، تكتسي الاستثمارات أهمية خاصة في علاقات البلدين، فبالنسبة للفاعلين الاقتصاديين النمساويين يتوفر المغرب على موقع استراتيجي هام يدعمه الاستقرار السياسي ووضعه المتقدم مع الاتحاد الأوروبي، وكذا علاقاته مع المنطقة الاقتصادية الأوروبية.
كما تعزز الاستثمارات الهامة والاستراتيجية التي أطلقها المغرب في مجال البينات التحتية والطاقات المتجددة، إضافة إلى اعتدال تكلفة الإنتاج وتوفر اليد العاملة المؤهلة، من جاذبية المملكة لدى المستثمرين بهذا البلد الأوروبي.
ومن المجالات التي تَعد بشراكة واعدة بين البلدين في السنوات المقبلة، الصناعات ذات الصلة بالتقنيات الخضراء والبنى التحتية وصناعة السيارات وتدبير الموارد المائية والطاقات المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية والريحية التي يعتبر البلدان رائدان فيها.
ويُجسد تطور التعاون الاقتصادي جودة العلاقات السياسية بين البلدين، والتي تعززت من خلال مجموعة من اللقاءات الثنائية والزيارات المتبادلة سواء على تراب البلدين أو بالمنظمات الأممية والدولية.
وهكذا، عُقد في شتنبر 2019 بنيويورك اجتماع ثنائي بين وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج السيد ناصر بوريطة ونظيره النمساوي ألكسندر شالنبرغ على هامش الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد لقائه بوزيرة الخارجية السابقة كارين كنايسل في أكتوبر 2018 بالرباط.
كما عُقدت في يناير 2019 بالرباط مشاورات سياسية، ترأسها عن الجانب المغربي السفير المدير العام للعلاقات الثنائية بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج السيد فؤاد يزوغ، ونظيره النمساوي السيد مارشيك ألكسندر، بحضور مسؤولين مغاربة ونمساويين.
وشكلت هذه المشاورات مناسبة لبحث مجموعة من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، من قبيل مكافحة الإرهاب وقضية الهجرة، حيث أعربت النمسا عن رغبتها في الاستفادة من الخبرة المغربية في مجال التأطير الديني.
وتُضاف هذه اللقاءات إلى زيارات متبادلة لمسؤولين من كلا البلدين، تخللتها مباحثات ومشاورات مهمة حول تعزيز العلاقات الثنائية في العديد من المجالات.
كما وقع البلدان منذ العام 1998 على مجموعة من الاتفاقات الثنائية التي تغطي، بالأساس، مجالات التعاون الأمني والصحة العامة والوقاية المدنية والمحافظة العقارية ومكافحة التهرب الضريبي وغيرها.
وفي مواكبتها لهذا الزخم، خصصت مجلة “سوسايتي” النمساوية في عددها نصف السنوي لسنة 2020 ملفا خاصا عن المغرب، سلطت من خلاله الضوء على أهمية الشراكة المغربية – النمساوية، وكذا المؤهلات الاقتصادية والسياحية والثقافية التي يتميز بها المغرب.
وأبرزت المجلة أن المملكة المغربية تعتبر من الشركاء البارزين للاتحاد الأوروبي، وذلك بفضل الاستقرار الذي تنعم به في منطقة مضطربة، إلى جانب الإصلاحات التي أطلقتها في مجموعة من المجالات الحيوية.
وهكذا، تحمل الشراكة المغربية – النمساوية، التي أُسست لبناتها الأولى منذ أزيد من قرنين ونصف، آفاقا واعدة لتطوير التعاون السياسي والاقتصادي، تعاون ينهل من الشراكة المتينة التي تجمع المغرب بالاتحاد الأوروبي.