مرة أخرى، تؤكد المملكة المغربية ريادتها الإقليمية من خلال تعميق تحالفاتها الاستراتيجية مع دول الساحل الإفريقي، في خطوة أثبتت أن السياسة الخارجية المغربية لم تعد تكتفي بالدفاع، بل أصبحت تملي أجندتها بثقة واتزان. اللقاء الأخير الذي جمع الملك محمد السادس بوزراء خارجية مالي وبوركينا فاسو والنيجر في الرباط لم يكن مجرد محطة بروتوكولية، بل تعبير عن تحوّل نوعي في تموقع المغرب داخل القارة، خصوصًا في محيطها الغربي.
وفي مقابل هذا التقدم المغربي، بدا الارتباك واضحًا في ردود فعل جبهة البوليساريو، التي جنّدت أذرعها الإعلامية لترويج سردية متهافتة، تزعم أن هذا التقارب بين الرباط ودول الساحل يهدد استقلالية القرار السياسي لهذه البلدان. غير أن مثل هذه المزاعم لا تنطلي على أحد، خصوصًا وأن دول الساحل، التي تواجه تحديات أمنية وتنموية جسيمة، باتت تدرك أن الشراكة مع المغرب تفتح أمامها آفاقًا جديدة في مجالات التنمية، والتعاون الأمني، ومواجهة التحديات العابرة للحدود.
من الواضح أن ما يزعج البوليساريو ليس استقلالية القرار السيادي لدول الساحل، بل إدراكها المتأخر بأن رياح التغيير تهب ضد مشروعها الانفصالي. فحين تتوجه ثلاث دول إفريقية ذات رمزية جيوسياسية إلى الرباط لتوثيق علاقاتها مع المملكة، فهذا يعني ضمنًا أن خطاب الانفصال يفقد جاذبيته، وأن الشرعية الإقليمية تميل أكثر فأكثر إلى الطرح المغربي الواقعي والمتزن.
لقد أصبحت المملكة المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، قبلة للدول الباحثة عن شراكات قائمة على النفع المتبادل، وليس على الإملاءات الإيديولوجية أو الارتباطات العقيمة.
التقارب المغربي مع الساحل ليس مناورة، بل ثمرة عقود من العمل الدبلوماسي الرصين والاستثمار الذكي في المصالح المشتركة. ومَن لم يفهم بعدُ هذا التحول، فذلك شأنه؛ أما المغرب، فقد اختار طريقه بثقة، وها هو يحصد ثمار رؤية بعيدة المدى، تؤكد أن من يملك الشرعية، لا يخشى المستقبل.