تشهد السياسة النقدية في المغرب تحوّلًا تدريجيًا نحو تحرير سعر صرف الدرهم، في خطوة تُعد من أبرز محاور الإصلاح المالي التي تعكف عليها الحكومة بالتنسيق مع المؤسسات الدولية. ويبدو أن البلاد تسير بخطى حذرة ولكن ثابتة نحو تقليص تدخلات بنك المغرب في سوق الصرف، وهو ما يبرز من خلال التغيرات الملموسة في أداء العملة المحلية خلال الأشهر الماضية.
وتأتي هذه التحركات في ظل التزامات المغرب تجاه شركائه الدوليين، وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي، الذي يرى أن مرونة أكبر في نظام الصرف ستعزز مناعة الاقتصاد الوطني في مواجهة الصدمات العالمية. وكان المغرب قد وقّع في أبريل 2023 اتفاقًا للحصول على خط ائتمان مرن بقيمة 5 مليارات دولار، يمنحه مجالًا أكبر للتحرك في الأوقات الحرجة، لكنه في المقابل يفرض شروطًا صارمة، من بينها تحرير تدريجي لسعر الصرف.
وبحسب بيانات رسمية، فقد تراجعت تدخلات البنك المركزي في السوق البيني بنسبة 37.7% خلال الربع الأول من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وهو ما أدى إلى تزايد تقلبات العملة. وعلى الرغم من هذه التقلبات، فقد ارتفع الدرهم بنسبة 1.39% أمام اليورو، في حين سجل تراجعًا بنسبة 1.49% أمام الدولار، ما يعكس تباينًا في أدائه تجاه العملات الرئيسية.
هذه التغيرات تثير نقاشًا واسعًا داخل الأوساط الاقتصادية، لا سيما في ما يتعلق بتداعياتها على التضخم والقدرة الشرائية. فمع استمرار ارتفاع الأسعار، والذي بلغ 4.8% خلال عام 2024، يجد المواطن المغربي نفسه أمام ضغوط متزايدة في ظل ارتفاع أسعار الغذاء والوقود. وقد دفع ذلك بنك المغرب إلى اعتماد سياسة نقدية أكثر تشددًا شملت رفع أسعار الفائدة، في محاولة لكبح التضخم.
من جهة أخرى، يحذر خبراء الاقتصاد من تسريع عملية التحرير دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة، خاصة وأن الاقتصاد المغربي يعتمد بشكل كبير على الواردات في تلبية حاجياته الأساسية. ويؤكد هؤلاء أن انتقالًا سريعًا وغير محسوب نحو نظام صرف حر قد يؤدي إلى تقلبات حادة في الأسعار، ما سينعكس سلبًا على استقرار السوق المحلي.
رغم ذلك، يُظهر موقف بنك المغرب توازنًا محسوبًا بين مطالب الإصلاح والحفاظ على الاستقرار. وقد أكد والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، أن الانتقال الكامل إلى سعر صرف مرن لن يتم إلا عند توفر الشروط الضرورية، وعلى رأسها تعزيز احتياطي النقد الأجنبي وضمان متانة النظام البنكي. وتشير الإحصاءات إلى أن احتياطيات البلاد بلغت حوالي 355 مليار درهم في نهاية مارس 2025، وهو ما يكفي لتغطية ما يقارب ستة أشهر من الواردات، ما يُعد مؤشرًا إيجابيًا من منظور الاستقرار المالي.
من جانب آخر، تبرز مخاوف سياسية واجتماعية من تأثير هذه الإجراءات على الفئات الهشة، وهو ما يدفع الحكومة إلى محاولة تحقيق توازن دقيق بين متطلبات المؤسسات الدولية والحفاظ على السلم الاجتماعي، خاصة مع قرب مواعيد استحقاقات انتخابية محتملة.
في ضوء كل هذه المعطيات، يبدو أن مسار تحرير الدرهم في المغرب لن يكون سهلاً ولا سريعًا، بل سيكون محكومًا باعتبارات اقتصادية واجتماعية معقدة. إلا أن الرغبة في تحقيق إصلاحات هيكلية تضع الاقتصاد الوطني على سكة أكثر مرونة واستدامة، تظل هدفًا لا مفر منه، خصوصًا في ظل المتغيرات الدولية المتسارعة والضغوط المتزايدة على الاقتصادات النامية.