أولى تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد الأهمية لقيم المواطنة والمشاركة المواطنة المسؤولة والمتشبثة بالوطن، إذ اعتبرها حجر الزاوية لهذا الفضاء العام الدينامي المتضامن والمنصف، الذي يحث عليه النموذج التنموي الجديد.
في التقرير طُرح سؤال عن الموضوع، هو كيف يمكن الجمع بين ضمان الحريات الشخصية والجماعية، التي تعتبر رافعات للعمل والمبادرة، والمواطنة المسؤولة والملتزمة بدعم المصلحة العامة والدفاع عنها؟
الإجابة هي أن الأمر متعلق باستعادة الثقة، وتوطيد دولة الحق والقانون، ومركزية المواطن واحترام كرامة الإنسان، والدفاع عن الإنصاف، وتعبئة الذكاء الجماعي ضمن رؤية مشتركة وقيم متقاسمة.
لهذه الغاية يهدف النموذج التنموي الجديد إلى إطلاق دينامية إيجابية تسهم فيها مختلف السياسـات العمومية ذات الصلة بخدمات عمومية ذات جودة، والحماية الاجتماعية لكل المغاربة، والعمل اللائق والمرافق العامة ذات جودة، مدعومة بعدالة تكرس صلاحيتها واستقلاليتها وهيئات ضبط وتقنين فعالة، في نسـج شـبكة من الثقة بين المواطنين والمؤسسات.
كما يجعل النموذج التنموي الجديد من تعزيز المساواة بين المرأة والرجل واحترام الاختلاف، المحاور الرئيسية لمقاربة تهدف إلى بناء مجتمع متحرر، شريك لدولة قوية.
إن تقوية الالتزام والمشاركة السياسية بالإضافة إلى التحسين المستمر للخدمات العمومية سيساعد على إطلاق مرحلة جديدة تستمد ديناميتها من مثالية الدولة ومسؤولية المواطنين، يقول التقرير، وهو ما من شأنه أن يجعل من المغاربة فاعلين ضمن مواطنة متجددة عبر الفخر بالانتماء والانخراط ضمن أفق مشترك، يرتكز على الإرث التاريخي للتماسك الوطني والنفس الجديد لمواطنة دامجة وملتزمة.
المواطنة ونهضة التربية والتعليم
يربط النموذج الجديد هذا المبتغى بمشـروع نهضة تعليمية مغربية، كمشروع مجتمعي يهدف إلى غرس القيم المتجذرة في هويتنا الوطنية والروحية، المكرسة دستوريا، كتلك التي تحث على المنفعة المشتركة والمصلحة العامة وروح التضامن والاحترام والتسامح.
يبرز التقرير أن في المدرسة يتعلم الشباب الحياة الجماعية، ومن خلال التجربة المدرسية تتكون الروابط الاجتماعية وتنشأ الالتزامات المواطنة المستقبلية. لذلك يجب إذن أن يصبح نظامنا التعليمي أساس مجتمـع الثقة الذي هو جوهر النموذج التنموي الجديد.
اقتراحان لتحقيق الهدف
لتفعيل هذه المهمة الأساسية للمدرسة، يقترح النموذج التنموي الجديد تجديد مقاربة التربية الإسلامية والمدنية من خلال اقتراحين متكاملين، الأول يرتكز على تربية دينية تنشر قيما مدنية قائمة على إرثنا الروحي المنفتح والمتسامح.
وتوصي اللجنة بإغناء التربية الإسلامية في المدرسة لترسيخها بشكل أكبر في واقع المجتمع المغربي ولتشجيع التلاميذ على مناقشـة القيم وتجسيدها من خلال الواقع المعاش بدل التعلم النظري.
لذلك، تحرص اللجنة على أنه يجب أن يستند هذا التعليم على مرجعيتنا الدينية والروحية لتعزيز القيم الإيجابية الكونية والمواطنة. ولتعزيـز قبول التلاميذ للتربية الإسلامية والاهتمام بها، من المفيد تفضيل الأساليب البيداغوجيـة التحفيزيـة.
ثاني اقتراح هو تربية على المواطنة أكثر فعالية تعزز قواعد العيش المشترك وتزرع التعلق بالوطن، لتعزيز روح المنفعة المشتركة وتعزيز الشعور بالانتماء إلى المجموعة الوطنية واحترام رموزها، ويجب أن تولي المدرسة المزيد من الأهمية للأنشطة الجماعية في جميع المواد وكذلـك في سياق المشاريع الجماعية التي تستهدف المصلحة العامة.
لتحقيق هذا الاختيار، تشدد اللجنة على ضرورة اعتماد طرق التقييم في النظام التعليمي وألا تقتصر فقط على مكافأة الأداء الفردي والمدرسي بل أن تشمل أيضا السلوك وتحفز على القيم المدنية (الأمانة، التسامح، الاحترام، التعاون، التضامن…). كما يجب على المدرسة أن تحفز التلاميذ على أخذ الكلمة بطريقة منتظمة وأن تزيد من الفرص المتاحة لكل فرد للتعبير ولتعلم قواعد الحوار والنقاش الجماعي.
ويتطلب الأمر أيضا لتنفيذ هذه المقترحات تطوير محتوى تعليمي وبيداغوجي مناسب، حيـث يجب تشجيع استخدام الأدوات الرقمية، بطريقة عصرية وتفاعلية وممتعة، بتراثنا التاريخي والديني. كمـا يجب التأكيد على ضرورة أن يكون المدرسون قدوة يحتذى بها، وأن يعملوا يوميا، في المدرسة، على تجسيد القيم الدينية والمدنية التي يدرسونها للتلاميذ.
تخلص اللجنة في هذا الإطار إلى أن وضع برنامج تكوين واسع النطاق ضروري لإنجاح هـذا المشـروع. بالإضافة إلـى ذلك، يجب إشراك أولياء التلاميذ وتحسيسهم بالتربية الوطنية لكي يدعموا نقل نفس القيم داخل الأسرة، لأن التلاميذ لن يكونوا متجاوبين مع مادة التربية الوطنية إلا إذا شعروا باحترام حقيقي من جانب المؤسسة المدرسية وفريق التدريس ولمسوا اهتماما مستمرا بتنميتهم ودعمهم خصوصا في الأوقات العصيبة.