الحدث بريس:الصادق عمري علوي.
ان الاسم أو اللقب ما هو إلا تحديد هوية وانتماء لأصول بشرية معينة ، لا علاقة له بالذكاء ، والعبقرية او النقاء العرقي والسلالي. لذا يعد الميز العنصري ظاهرة جد خطيرة ، تهدد أمن وسلامة ، واستقرار وتماسك المجتمعات ، اذ يحدث خرقا كبيرا بين الجماعات _التواقة إلى التحرر من براثن الأمية ،والجهل والفقر، و تحقيق التنمية المنشودة _ هذا الخرق الذي يستعصي على الرتق ، والشرخ الفادح يكبر مع توالي الأيام والاعوام ، يقف حاجزا في مد جسور الإخاء والتضامن، والعيش المشترك بين أفراد المجتمع الواحد.
كما يقف حجر عثرة أمام تقدمه وازدهاره ، بما يبثه من حقد وكراهية ،وانقسام بين الأجناس . فقد أدى الميز العنصري عبر التاريخ البشري إلى وقوع حروب دامية ،وفتن قاصمة ، استعملت خلالها اعتى واشرس الأسلحة الفتاكة للنيل من الآخر .. ويعد النموذج النازي اكبر دليل واقعي ، واخطر قضية شهدها العالم كانت السبب المباشر في وقوع الحرب العالمية الأولى والثانية ، إذ أن النازية الألمانية بقيادة الفوهرر ” هتلر “مؤسس النظام النازي ” تشكلت قوتها الهدامة تنظيرا وممارسة على أساس أن الجنس “الآري ” أو الألماني هو أرقى وانقى، وأسمى عرق على الاطلاق دون سائر البشر.
ولا يخرج المجتمع العربي عامة المغربي خاصة عن هذا النطاق المخزي ، ونحن نعيش على مشارف الألفية الثالثة ،رغم أن الثقافة الإسلامية تقف على طرفي نقيض ضدا على الميز العنصري بشتى تلاوينه وتمثلاته ،فقد ورد في النصوص الشعرية _والشعر منبثق من الشعور _ قول الشاعر :
كن ابن من شئت واكتسب أدبا.
يغنيك محموده عن النسب .
وقول الرسول الاعظم منبها عن شجبه وعدم موافقته ورضاه عن الأشخاص الذين يهدفون إلى إشاعة الميز العنصري جنسا ولونا بقوله صلى الله عليه وسلم : ” كلكم لآدم وآدم من تراب فلا فضل لعربي على عجمي ولا لأحمر على أسود…فضل إلا بالتقوى ” من هنا يظهر أن الأمر ليس بالتصور الهين التي نعتقده ، فكل البلاوي والخلافات ، والتصدعات التي تحدث في الدول العربية حاليا سببها الرئيس هو “الميز العنصري” لأنه لا ينبني على اساس منطقي ولا على مبدأ إنساني او طبيعي او ديني… وإنما هو تمثلات شيطانية انانية و استحواذية لقهر الآخر واستغلاله . ولذا وجدت الدول الاستعمارية الغربية في الصراع القبلي والطائفي العنصري ضالتها وفرصتها السانحة للمزيد من تقسيم وتقزيم الدول والشعوب لاستنزاف ثرواتها ومقدراتها …
فالصراع على السلطة، والمجد المزيف والمكانة الاجتماعية المصطنعة ، والغطرسة الاقتصادية “ذات التوجه الريعي” اللاوطني في المجتمعات المتخلفة ” غالبا ما يكون بدوافع عنصرية.
ويمكن تقسيم الميز العنصري إلى عدة حقول ينشط فيها بشكل ملحوظ وفاضح :
1/ الميز القبائلي السلالي:
ويتعلق بادعاء قبيلة نقائها السلالي والعرقي ، معلنة تفوقها على سائر القبائل طهرا ،وذكاء ، ومهارة ومعرفة ، وغيرها من القبائل مجرد عبيد ورعاع وسفلة .. وحثالة ومجرد أغبياء ، لم يخلقوا إلا لخدمة أسيادهم وليس من حقهم امتلاك الأرض ولا الحصول على أية منفعة معنوية أو مادية .
الأمر الذي يظهر واضحا لدى بعض القبائل العربية التي تعتمد على النسب والانتماء والافتخار بالجد أو الصنم … كما يتضح لدى بعض القبائل الشامية عندما ينعتون غيرهم من قبائل الجزيرة العربية ” بقبائل البعير والعنز … ” ويحتكرون لأنفسهم سمات التمدن ، والحضارة.
وقد هجا قديما الشاعر الطرماح بن حكيم أحد قبائل بني تميم بقوله :
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا *.
ولو سلكت طريق الخير لضلت.
ولو أن برغوثا على ظهر قملة*.
رأته تميم يوم الزحف لولت .
وهي أبيات شعرية قاتلة ، فيها ما فيها من الحط من قيمة الآخر، ووصفه بالجبن واللؤم.
كما ينتشر الميز العنصري لدى القبائل المغربية فهناك ” الميز المبني على الانتماء للسلالة الفلالية ، والريفية اوالغرباوية ، والفاسية والأمازيغية والحسانية … بحيث نجد من القبائل المغربية “المنغلقة ” المحافظة ” من تعتبر الأشخاص من غير الدم والبطانة ،مجرد طفيليات، يجب اقتلاعها والنيل من كرامتها ، ولا تسمح للدخلاء والوافدين من الأجناس الأخرى بالتصاهر معها ، خوفا من انتقال الجاه ، او الثروة او امتلاك أو كراء ،أو إقامة أي مشروع تنموي أو حتى امكانية الحصول على أية منفعة قانونية فوق مجالها الترابي .. وقد مس هذا الوباء الفتاك بعض القبائل السلالية بالجنوب التي ترى إقامة المشاريع التنموية فوق مجالها الترابي استحواذا من الاغراب الوافدين _ رغم كونهم مغاربة _ على أراضيها ، وهي التي تحتاج إلى في إطار النموذج الجهوي المتقدم إلى من يسندها لكي تخرج من شظف العيش ، وقساوة الطبيعة والحياة ، وما الشكايات الكيدية ، والتعرضات السلالية إلا الوجه القبيح لمعاكسة مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتجل صارخ للميز العنصري الذي لازال يعشش كثقافة شعبية مبتذلة في هذه الأوساط من خلال الأوصاف القدحية الموجهة للآخر .
2/ الميز السياسي والحزبي :
يعتبر الانتماء الحزبي دون الخضوع لضوابط الحزب ، وقانونه الأساسي وبرنامجه التنموي أحد الأسباب في سيادة القطب المهيمن، وعدم القبول بتداول المهام القيادية واحتكارها بيد سحن ووجوه تتكرر بالمشهد السياسي المغربي ، وتقف سدا منيعا أمام تجديد الدماء وإبراز قدرة شبيبتها على الإبداع والعطاء، والمساهمة الفعالة في تقديم الحلول للمشاكل التنظيمية داخليا او الاجتماعية والاقتصادية … خارجيا ، فقد تسطو بعض الأسر على الأحزاب السياسية لخدمة مصالحها وإقصاء المجموعات الأخرى ، ربما لاعتقادها بمقولات الانتخاب الطبيعي والتفوق العرقي الذي يجعل التأطير والتنظير ، والتدبير والتقرير والتطوير حكرا على تصوراتها ” العبقرية فتتوارث الحزب وتنظيماته حتى الموازية جيلا بعد جيل …
يتبع .