الخاسر الأكبر في انتخابات الثامن من شتنبر الجاري هو “الإسلام السياسي” بأطيافه الحزبية المشاركة في العملية السياسية، ممثلة في حزب العدالة والتنمية الذي عاد إلى حجمه الحقيقي مثلما كان في سنة 1997، وكذلك أطيافه الأخرى الموصوفة ب” المارقة” والتي تنشط في المنصات التواصلية وفي “الحسينيات الهامشية”، ممثلة في جماعة العدل والإحسان.
فأصوات الناخبات والناخبين المغاربة ذوت كالهدير في صناديق الاقتراع، وجهرت عاليا بلفظة “كفى” في وجه أدعياء الدين سواء المشاركين منهم في الانتخابات أو أولئك المقاطعين لها بواسطة “النفاخات” في وسائط الاتصال وفي الفايسبوك. فمحطة 8 شتنبر 2021 ستظل موشومة وفارقة في أذهان المغاربة، لأنها سمحت باصطياد جميع أسراب الصقور الذين يرتدون جبة الإسلام السياسي.
فإذا كانت انتخابات الثامن من شتنبر الجاري قد عصفت بالبنية التنظيمية لحزب العدالة والتنمية، ودفعت أمانته العامة للاستقالة الجماعية، والتفكير في مراجعة جذرية لمسببات نفور المغاربة من الحزب ومن أتباعه، فإن الانتخابات ذاتها وجهت صفعة قوية على وجنة بعض أعضاء جماعة العدل والإحسان، الذين ظلوا طوال الحملة الانتخابية ينفثون ثاني أكسيد كربونهم في بالونات هوائية (نفاخات) في إشارة مبطنة وتحريض صريح على مقاطعة الانتخابات.
فحسن بناجح، ومحمد متوكل، وباقي كهنوت العدل والإحسان، كانوا يراهنون على نجاح حملة مقاطعة الانتخابات التي أطلقوها في الفايسبوك من أجل تحقيق أهداف آنية، تتمثل في التشكيك في مشروعية المؤسسات والهيئات المنبثقة عن هذا الاقتراع، وأهداف أخرى متعدية القصد تكمن في المزايدة على الدولة واستعراض العضلات الافتراضية في مواجهتها، بدعوى أنهم قادرون على تعبئة الجماهير المقاطعة، وممارسة التوجيه المعنوي لحشد الجماهير الشعبية عند كل تدافع مرتقب نحو الشوارع العامة.
لكن المرجح أن نية حسن بناجح ومن معه لم تكن خالصة لله تعالى، أو أنه نسي قبل أن يستهل حملته المسعورة ذكر قوله تعالى “ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله”. ولعل هذا هو السبب الذي جعل مصيبة العدل والإحسان أكبر من انتكاسة حزب العدالة والتنمية. فلم يسبق للانتخابات الجماعية والتشريعية التي عرفها المغرب منذ الاستقلال أن سجلت نسبة مشاركة مرتفعة مثلما اتسمت به الانتخابات الأخيرة، وذلك بالرغم من حملات المقاطعة التي أطلقتها جماعة العدل والإحسان!!
وهذا المؤشر الدال، ممثلا في نسبة المشاركة المرتفعة في يوم الاقتراع، إنما يؤشر على معطيين أساسين: أولهما أن المغربيات والمغاربة لا يأبهون نهائيا لدعوات تجار الدين والعدميين من داخل جماعة العدل والإحسان، الذين لم يعودوا قادرين حتى على التأثير في قواعدهم الداخلية من الأتباع والمريدين، أما المعطى الثاني فهو أن المغاربة وضعوا جماعة العدل والإحسان فوق كفتي الميزان لتعرف حجمها الحقيقي ومستوى شعبيتها المفترضة في الفايسبوك، وإن كانت شعبيتها في الواقع المادي قد انتهت منذ مدة مع أفول صاحب الأحلام ومنظر القومة الخارقة.
ولئن كان حزب العدالة والتنمية قد فطن مؤخرا لحجمه الحقيقي، وأدرك رسائل الشعب المغربي التي مررها من وراء صناديق الانتخابات، فبادر إلى حلحلة بنيته التنظيمية واستقالة أمانته العامة، فإن جماعة العدل والإحسان مطالبة اليوم بجمع “نفاخاتها” من مواقع التواصل الاجتماعي، ووأد زوابيرها وإسكات براحيها في الفايسبوك. فلقد قال الشعب كلمته ومضى “فالأجدر بالمقاطعة والقطع النهائي ليس هو الانتخابات والممارسة الديموقراطية وإنما هم أدعياء الإسلام السياسي، الذين تجدهم دائما منهمكين في تمزيق الأشرعة عندما تجرى الرياح بما تشتهي سفن المغاربة.. “