عزيزة لياماني اليوم عيدك، اليوم يومك يوم للاحتفاء بك، بكنّ وبنا. يوم للاحتفاء بإنجازات المرأة ونضالاتها لإرساء كل تعالي وكل فعل عالي. رست من أجله كل الطموحات والتطلعات.
بهذه المقدمة البسيطة ارتأيت أن أقدم وأوثق لسيدة أفنت شبابها وعمرها للاعتناء بأطفال قدر عليهم الإهمال. والرمي بهم في القمامات وأمام المساجد والبيوت و….
إنها السيدة عزيزة لياماني التي كانت ممرضة مجازة ومساعدة اجتماعية إقليمية بالمستشفى الجهوي مولاي اعلي الشريف بالرشيدية. سيدة ليست كالسيدات. لأنها فضلت التوجه بكل ما أوتيت من قوة ومسؤولية. وهي ممرضة مجازة بالمؤسسة التمريضية المذكورة. عندما لاحظت في يوم من أيام سنة 1987 وهي تراقب مرافق جناح طب الأطفال. تراءى لها كيس بلاستيكي ملقا بإحدى المراحيض. فتوجهت إليه لجمعه، فإذا بها تصادف شيئا يتحرك بداخله. وعند فتحه تتفاجأ بوجود طفلة حديثة الولادة، يعتقد أن والدتها تخلت عنها.
بداية المشوار
هنا بدأت انشغالات واهتمامات السيدة عزيزة. حينها وضعت الطفلة المتخلى عنها في سرير بجناح الأطفال إلى جانب الأطفال المرضى. فأصبحت تعتني بها إلى جانب المسؤولات على الجناح. لكنها لم تكتف بهذه الطفلة، فقد بدأت نفس الحالات تتناسل سواء بالمستشفى أو خارجه بسبب ظروف الفتيات التي يعرفها الجميع.
كثيرات هن الفتيات اللواتي يتم التغرير بهن، فيسقطن في المحرمات التي تؤدي غالبا للحمل ثم الوضع، وهو ما يؤدي بهن إلى ترك مولودهن، ما نتج عن هذا ازدياد في عدد هؤلاء، وهو الأمر الذي لم يرق مسؤولي المستشفى، الذين طالبوا السيدة عزيزة بإخلائهم منه والبحث عن مقر لهم خاصة وأنهم يعيشون إلى جانب أطفال مرضى.
بحنكة وثبات قل نظيرهما، عملت على دق الأبواب والمحسنين، ما جعلها تلقى الاستجابة والاقبال، الشيء الذي وفر لها ما أقدمت عليه بمساعدة طاقم جمعوي متطوع، وهو بناء مقر صغير إلى جانب المستشفى الجهوي، وجهزته بالضروريات اللازمة لاستقبال أطفال لا ذنب ولا قوة لهم، وأصبحوا مستقرين برعاية السيدة عزيزة ومربيات متطوعات شاركن في هذا الأجر العظيم.
السيدة الممرضة المجازة بدأت في رعاية الأطفال مند سنة 1990، وبدأوا يتزايدون وينقصون حسب الظروف والملابسات، حيث كان يبلغ عددهم مرة أكثر من ثلاثين (ذكورا وإناثا)، حيث أصبح الإقبال على التبني يتزايد كذلك، والمعاناة هي الأخرى، لكن إصرار السيدة لياماني وطاقمها الجمعوي إلى جانب المحسنين وأصدقاء الجمعية، جعلها تضاعف من الاهتمام والعناية بهذه الشريحة التي كانت مهملة ومنسية.
الزيارة الميمونة
مرت السنون والأعوام على هذا العمل الخيري النبيل، وأطفال يغادرون وآخرون يدخلون، إلى أن حلت إحدى الزيارات الملكية الميمونة للرشيدية سنة 2013، وبالصدفة أو بالإخبار قامت السيدة زليخة نصري مستشارة الملك آنذاك لمقر الجمعية، ونودي على الرئيسة، وبدأت المستشارة بالبحث والتقصي عن ظروف وجود مقر للأطفال المتخلى عنهم بالرشيدية، فوجدت في الرئيسة كل البيانات والإيضاحات حتى أنها هيأت لها مقابلة مع الملك محمد السادس، الذي استقبلها وطلب منها بدوره إيضاحات حول الجمعية، خاصة كيفية إطعام الأطفال، فكان جواب الرئيسة: يرزقهم من حيث لا نحتسب.
كان هذا الاستقبال بمثابة طلعة ميمونة ورداء أبوي كريم لهؤلاء الأطفال وللجمعية، فقد خصص حفظه الله هبة مالية معتبرة، وبناء مقر بالمواصفات الحديثة، يطلق عليه اليوم “دار الطفل” التي تعتبر نموذجا مهما لرعاية الطفولة الصغيرة، تسهر عليهم مجموعة من المربيات المقتدرات بتوجيه من السيدة الرئيسة ومكتبها المسير.
السيدة عزيزة لياماني، المرأة الصامتة والصارخة المرأة التي كتبت بصوتها وبفكرها سيمفونية عزفت ألحانها الحياة مع أطفال فقدوا الحنان والعطف الأبوي، لكن اهتمام وعطف السيدة الرئيسة والمربيات، كان بمثابة تعويض لما فقدوه.
اليوم 8 مارس اليوم العالمي للمرأة مناسبة لنقول للسيدة عزيزة، ما أجملك وما أبهى وجودك وتضحياتك وجهدك الذي استمر لأكثر من ثلاثة عقود، فأنت قبس النور وقبس الأمل لهؤلاء الأطفال، وبإرادتك التي لا تأفل ولا تفل لأنك صنعت مجد دار الطفل بالرشيدية..