يستعرض كتاب “نظام التفاهة” للباحث آلان دونو التأثيرات السلبية للثقافة الاستهلاكية على المجتمعات الحديثة، مسلطًا الضوء على كيفية تحول النجاح من كونه مرتبطًا بالذكاء والكفاءة إلى مجرد القدرة على التكيف مع النظام القائم وتجنب الأسئلة العميقة. هذا التحول يؤدي إلى تلاشي الحدود بين الحقيقي والمزيّف، وبين الفاضل والمتواطئ، وبين المثقف والانتهازي، مما يجعل كل شيء يبدو مسطحًا وبلا عمق.
في السياق المغربي، يمكن ملاحظة تأثيرات مماثلة للثقافة الاستهلاكية على مختلف الأصعدة. فقد شهدت الساحة الثقافية المغربية تحولًا نحو ثقافة استهلاكية هجينة، مما أدى إلى تشتت الروابط الاجتماعية وتصدع بنيان الذات الاجتماعية. هذا التحول جعل الأفراد يعيشون في حالة اغتراب داخل وطنهم، منشغلين بمحتوى إعلامي يروج لأحلام وردية وأبطال خياليين، مما يساهم في استلابهم ويحولهم إلى مستهلكين تابعين، غير مدركين لاستغلالهم.
بالإضافة إلى ذلك، تشير الدراسات إلى أن الاستهلاك المتزايد في المغرب أدى إلى تراجع القيم التقليدية، مما أثر على الهوية الثقافية للشباب. حيث يفضل 60% من الشباب العلامات التجارية الغربية، مما يعكس تأثير الثقافة الاستهلاكية على تفضيلاتهم وسلوكياتهم. هذه الظاهرة تتسق مع ما تناوله دونو في كتابه حول انحسار التفوق الحقيقي لصالح السطحية.
تلعب وسائل الإعلام وخصوصًا الإنترنت دورًا محوريًا في تعزيز ثقافة الاستهلاك. الإعلانات التجارية تشكل الوسيلة الأساسية التي يقنع بها الأفراد لاستهلاك منتجات معينة، ومع انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح التأثير الإشهاري أكثر حضورًا، مما يعزز من النزعة الاستهلاكية لدى الأفراد. في المغرب، تمثل هذه الظاهرة تحديًا كبيرًا حيث تصبح وسائل الإعلام جزءًا من آلية نشر التفاهة، ما يساهم في تشكيل مواقف وسلوكيات سلبية.
تؤثر ثقافة الاستهلاك على تكوين النظرة الصحيحة للقيم والحياة لدى الشباب، حيث تعزز من النزعة الفردية وتضعف من مفاهيم التكافل الاجتماعي. كما تساهم في تحويل الهوية الثقافية إلى سلعة، مما يعزل القيم والموروثات الثقافية عن سياقها الأصيل. في ظل هذه الظاهرة، يصبح من الضروري الحفاظ على الهوية الثقافية الوطنية وتعزيز القيم التي تعكس عمق المجتمع المغربي.
لمواجهة تحديات ثقافة الاستهلاك، يجب تعزيز التفكير النقدي لدى الأفراد وتنمية وعيهم بأهمية القيم الثقافية الأصيلة. كما ينبغي تشجيع نمط حياة مستدام يقوم على التوازن بين الحاجات والرغبات، والابتعاد عن التفاخر بالممتلكات كمعيار للنجاح الاجتماعي. هذه الإجراءات قد تساعد في مقاومة تأثيرات الثقافة الاستهلاكية السطحية وتعزز من الهوية الثقافية التي تشكل جوهر المجتمع.
إن التأثيرات السلبية للثقافة الاستهلاكية على المجتمع المغربي تتطلب جهودًا متضافرة من جميع فئات المجتمع. من خلال تعزيز القيم الثقافية الأصيلة وتنمية الوعي النقدي، يمكن الحد من هذه التأثيرات وبناء مجتمع متوازن يحافظ على هويته الثقافية ويواجه تحديات العصر الحديث.