الحدث بريس: متابعة
أكيد أن الزمن قد جرى بما لم ينتبه اليه الناس ، فأهملوا ثقافة اللباس ودلالاته العميقة ، ما يدفعنا في الكثير من الأحوال الى إعادة توجيه الرأي الى مثل هذه الخصوصيات الجميلة التي باتت تنقرض شيئا فشيئا ، ما يحتم على الضمير الواعي بمكامن التراث الشعبي في المنطقة شد الرحال الى تدوين كل ما من شأنه ان يميز ثقافة الجنوب الشرقي عن غيره.
وقد سبق لي أن خضت في مجالات عدة ومواضيع شتى تهم التراث الشعبي، كالاعراس، وطقوس الدرس ومفاهيم متعددة كالملح، و”الأنذر” و”أفاليس” وغيرها من المواضيع التي تهم الواحات وحياتها النمطية، ولعل الباحث في مجال الألبسة والأزياء وما تضعه النساء على مستوى واحات الجنوب الشرقي المغربي ،سوف يجد ” تاحرويت ” من بين العناصر المهيمنة على لباس المرأة بهذه المنطقة ، وقد كانت ولا تزال ذلك الرداء او اللباس الذي يطبع تقليد المنطقة ويظهر المرأة كفاعل متحرك داخل الواحة ونواحيها ، و”تاحرويت ” غطاء أو رداء يحمل معاني جمة وكثيرة ، ويخفي في ثناياه مجموعة من الأسرار والمعلومات التي وجب الوقوف عندها لاكتساب المزيد من المعرفة حول التقليد والعرف المحيطين بالعلاقات بين المراة والرجل.
هذا الرداء الأسود في أصله يحمل مجموعة من الايحاءات والعلامات ، وهو مفتاح لفهم شخصية المرأة وكينونتها وجمالية جسدها في تناغم مع الطابع الواحي الذي يميز المجال ويجعله يتمظهر من خلال هذا الرداء السحري الذي خيم على قصور الجنوب الشرقي وبالخصوص المرتبطة بالامازيغية فتارة تجد تاحرويت مرصعة بأحرف أمازيغية تجعل من اللغة الحاضر الممتد الرافض للتهميش وعدم الاعتراف بالهوية ، وقد امتد هذا الطابع الرفضوي للامر الواقع وللهوية الامازيغية الأصيلة الممتدة في الزمن ليعكس حضورا ممتدا للهوية على امتداد ربوع الجنوب الشرقي.
وهو تقديم لمجموعة من الأفكار غالبا ما كان يستعين بها العارفون في المجال لتحديد هوية المرأة وانتمائها ، بل تتعمق الرسوم والخطوط في غالب الاحيان لتعطيك بطاقة تعريف ملخصة عن المراة الواحية ، وقد تقرأ من خلالها فخدة المرأة او عظمها ” إغص ” كما قد تفيدك في معرفة ما ان كانت المراة بكرا ، ام ثيبا ، او الحالة التي هي فيها ساعتها ، فتطلع انها متزوجة أومطلقة او حتى أرمل ان اقتضى الحال، و قد تفصل الرسوم في عدد الابناء الذين أنجبتهم تفاديا لأي اصطدام أو سوء فهم قد يتسببه التجوال، سواء في المزارع او في الاماكن العمومية كالاسواق والاعراس وما اليها من اماكن التجمعات ..
وجدير بالذكر ان “تاحرويت ” كانت تخص في الزمن الماضي كلا من قبيلتي ايت مرغاد وايت عطا ، وبعد الانفتاح في العقود الأخيرة بين القبائل وارتيادها للمجال ووحدة الانتماء الى فضاء الجنوب الشرقي ، أصبحت كل النساء بالواحة يستعملن تاحرويت كغطاء متميز يختص به الجميع ولم يعد حكرا على هذا اوذاك . فصارت رسوماته تحمل مضامين جديدة تتماهى والوافدون الجدد الى هذه الثقافة الأمازيغية التي أصبحت من سمات ومميزات المرأة الجنوب شرقية بالمغرب في الوقت الحالي ، وبالواحات ، ومع تطور الطرز والخياطة ، كثر الثوب ، وأصبح الناس لا يعرفون لهذه الرسومات الأصيلة شروحها ،حيتث اتخذت “تاحرويت ” سلعة لجلب انتباه السياح وكثرت الوان الثوب فتنوعت من الاسود الى الابيض والاصفر والازرق ، وتجاهل الناس ما كان يخطط من رسوم على هذا الغطاء النسوي الخفيف الذي كان يعتبر بامتياز عنوانا للمرأة في المنطقة ..الى جانب ” أبيزار..”
عموما فان قبائل أيت مرغاد ، وإقبلين وامازيغين وايت عطا وايكرامن والشرفاء بالواحة استعملت تاحرويت عنوانا لكينونتها الاجتماعية وعرضا شامللا لأصالة الانتماء ووحدته وامتزاج المصائر في وحدة هوياتية يجمعها مصير واحد ويحذوها أمل موحد ومتكامل في انتظار فك عزلتها واندماجها في سياق المحيط الشامل والمتماسك .