في ظل معاناة المغرب من تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة، تتصدر مشكلة البطالة مشهد هذه التحديات. البطالة في المغرب وصلت مؤخرًا إلى مستويات قياسية، وهو ما يعكس عجز السياسات الحكومية عن محاربتها بشكل فعّال.
بينما تتزايد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على الحكومة لإيجاد حلول حقيقية لهذه المشكلة، يبرز تهديد جديد قد يزيد من تعقيد الوضع: انتشار الذكاء الاصطناعي في القطاع الاقتصادي.
دراسة حديثة نشرتها مؤسسة “PWC” البريطانية، المتخصصة في خدمات التدقيق والمحاسبة والاستشارات المالية، كشفت عن أن 71% من مسيري الشركات المغربية يعتزمون دمج الذكاء الاصطناعي بشكل منهجي في عملياتهم الإنتاجية خلال السنوات الثلاث المقبلة.
هذه النسبة الكبيرة تعكس تحولًا هامًا نحو التكنولوجيا الحديثة في مختلف القطاعات الاقتصادية المغربية، وتثير تساؤلات جادة حول تأثير هذا التوجه على سوق العمل المحلي.
إلا أن الحكومة المغربية، وعلى الرغم من التركيز على برامج التنمية الاقتصادية، لم تواكب التحديات المتزايدة والمتنوعة التي يفرضها هذا التحول التكنولوجي.
ففي الوقت الذي تسعى فيه الشركات لتعزيز كفاءتها من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، يعجز النظام التعليمي الوطني عن توفير التأهيل اللازم لتلبية هذه الاحتياجات الجديدة.
فبدلاً من أن تكون السياسات الحكومية موجهة نحو تأهيل الشباب المغربي لمواكبة التغيرات التقنية العالمية، تظل المناهج التعليمية في غالبها تقليدية، وتفتقر إلى تدريب الشباب على المهارات الرقمية والتقنية المطلوبة في سوق العمل.
بعيدًا عن التعليم، تبقى السياسات الاقتصادية الحكومية في المغرب تعاني من عجز في إبداع حلول مبتكرة تحفز على الاستثمار طويل الأمد في القطاعات التي من شأنها أن تخلق فرص عمل حقيقية ومستدامة.
حيث تستمر الحكومة في تبني خطط تركز على برامج توظيف مؤقتة أو دعم مشروعات صغيرة ذات جدوى محدودة، دون أن تكون هناك رؤية استراتيجية شاملة لتعزيز القطاعات التقنية التي تساهم في توظيف الشباب.
تجدر الإشارة إلى أن 71% من مديري الشركات المغربية الذين يخططون لدمج الذكاء الاصطناعي في عملياتهم الإنتاجية يهدفون من ذلك إلى تعزيز فعالية وكفاءة العمل، لكن هذا التوجه قد يأتي بتداعيات غير محمودة على سوق العمل.
في حين أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسهم في تحسين الأداء الاقتصادي، فإنه قد يؤدي إلى تقليص الفرص المتاحة في القطاعات التقليدية التي تعتمد على اليد العاملة البشرية.
وهذا الأمر يفرض تحديًا إضافيًا على الحكومة، التي يجب أن تضع في أولوياتها إعداد برامج تدريبية وتأهيلية لعمال القطاع التقليدي، لضمان انتقالهم إلى وظائف جديدة في ظل تزايد الاعتماد على التقنيات الحديثة.
من خلال هذه المعطيات، يتضح أن السياسات الحكومية لم تكن كافية لمواكبة التحديات الراهنة التي تطرحها التكنولوجيا الحديثة على سوق العمل.
فبينما يظل الذكاء الاصطناعي سلاحًا ذا حدين، يمكن أن يسهم في تعزيز الإنتاجية، إلا أن غياب سياسات تدريبية فعالة قد يجعل تأثيره سلبيًا على العمالة التقليدية.
وفي هذا السياق، يصبح من الضروري أن يتم تبني سياسات استشرافية لا تقتصر على دعم الشركات الكبيرة في تبني التكنولوجيا، بل يجب أن تركز أيضًا على تعزيز مهارات الشباب وتوفير فرص تدريبية لهم لكي يصبحوا جزءًا من الاقتصاد الرقمي المتنامي.
إن استمرار الحكومة في اتباع السياسات الحالية، والتي لا تتجاوز الحلول السطحية، سيؤدي في النهاية إلى تفاقم مشكلة البطالة. فقد أثبتت التجارب السابقة أن السياسات الجزئية غير القادرة على التفاعل مع التحولات الاقتصادية الكبيرة، لن تتمكن من تحقيق التغيير الجذري المطلوب.
لذا، من الضروري أن يتم تبني استراتيجيات شاملة تستند إلى تحليل دقيق للأوضاع الاقتصادية الراهنة، وتعمل على دمج التكنولوجيا بشكل يضمن استدامة الفرص الوظيفية في ظل التغيرات العالمية.